Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 8-12)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ قال سبحانه على وجه الوعيد للموسرين : { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ } أي : كثيراص من أهل قرية { عَتَتْ } أعرضت واستكبرت { عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَ } متابعة { رُسُلِهِ } المرسلين من عنده إياها اتكالاً على ما عندهم من المال والثروة ، والتفاخر على الأقران ، والتفوق عليهم بأنواع النخوة والعدوان { فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً } أي : عن القليل والكثير ، والنقير والقمطير { وَ } بعدما حاسبناها كذلك { عَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } [ الطلاق : 8 ] منكراً فجيعاً فظيعاً ؛ والمراد : حساب النشأة الأخرى وعذابها ، عبَّر بالماضي ؛ لتحقق وقوعها . { فَذَاقَتْ } حينئذٍ { وَبَالَ أَمْرِهَا } أي : إعراضها عن الله وأهله ذوقاً محيطاً بها ، بحيث لا يخلو من العذاب شيء من أعضائها وأجزائها { وَ } بالجملة : { كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا } الذي كان عليه في النشأة الأولى { خُسْراً } [ الطلاق : 9 ] في النشأة الأخرى ، وأيّ خسر لا خسر أشد منه وأكبر ، وهو حرمانهم عن عز والقبول الإلهي ، وانحطاطهم عن رتبة الخلافة والنيابة . وبالجملة : { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } في العاجل والآجل { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } واعتبروا مما جرى على أولئك الغواة الطغاة ، الهالكين في تيه العتو والعناد من وخامة عاقبتهم ، ورداءة خاتمتهم ، واعلموا أيها المعتبرون { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة الحق وبتصديقه رسله { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ } المدبر لمصالحكم { إِلَيْكُمْ ذِكْراً } [ الطلاق : 10 ] ناشئاً منكم ، مذكِّراً لكم أصل مبدئكم ومنشئكم ، وكذا مرجعكم ومعادكم . ولهذا جعله سبحانه { رَّسُولاً } مرسلاً من عنده إليكم ؛ لإرشادكم وتكميلكم { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على وحدة ذاته ، وكمال أسمائه وصفاته { مُبَيِّنَاتٍ } مشروحات موضحات كل ذلك { لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله على وجه الإخلاص { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المؤكدة لإيمانهم { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي : الظلمات الحاصلة من تراكم الكثرات ، وتتابع الإضافات الناشئة من الأوهام والخيالات الباطلة إلى نور الوجود الذي هو الوحجدة الذاتية المسقطة لعموم الإضافات مطلقاً . { وَ } بالجملة : { مَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ } ويوقن بوحدته { وَيَعْمَلْ صَالِحاً } طلباً لمرضاته { يُدْخِلْهُ } سبحانه بمقتضى فضله ولطفه { جَنَّاتٍ } منتزهات العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } المترشحة دائماً من البحر المحيط الذي هو حضرة العلم الإلهي ، ولوح قضائه المشتمل على عموم الكوائن والفواسد الجارية في فضاء الوجود مطلقاً { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } لا يتحولون منها أصلاً ، وبالجملة : { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } [ الطلاق : 11 ] صورياً ومعنوياً . وكيف لا يحسن رزقه سبحانه ، مع أنه { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ } أي : أظهر وقدَّر بمقتضى قدرته الكاملة { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } علويات مطبقات على عدد الأوصاف السبعة الذاتية الإلهية ، وجعلها مسكناً للمجردات من الملائكة والأرواح { وَ } قدَّر { مِنَ ٱلأَرْضِ } السفلى ؛ أي : عالم العناصر أيضاً { مِثْلَهُنَّ } مطبقات بعضها فوق بعض : طبقة الأثير الصرف ، وطبقة الأثير الممتزجة ، وطبقة الزمهرير من الهواء ، وطبقة الهواء الصرف ، وطبقة الماء الصرف ، م وطبقة الطين المركب من الماء والتراب ، وطبقة التراب الصرف ، على عدد القوى السبع الإنسانية الفائضة على أعضائه السبعة ، وهي : الدماغ ، والكبد ، والعين ، والأذن ، والأنف ، واللسان وجميع البشرة من الصانع الحكيم ؟ ! وإنما رتبها سبحانه وطبقها عليها ؛ حين { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ } الإلهي { بَيْنَهُنَّ } يعني : تصير السفليات قوابل الآثار العلويات ، يقبلن منها ما يفيض عليهن من الكمالات المترتبة على الأسماء والصفات الذاتية الإلهية ، كل ذلك { لِّتَعْلَمُوۤاْ } أيها المجبولون على فطرة العلم والمعرفة { أَنَّ ٱللَّهَ } المستقل بالألوهية والربوبية { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } دخل في حيطة الوجود ، ولمع عليه برق الشهود { قَدِيرٌ } لا ينتهي قدرته عند مقدور { وَ } لتعلموا أيضاً { أَنَّ ٱللَّهَ } المتصف بالقدرة الكاملة { قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ } دخل في حيطة قدرته { عِلْماً } [ الطلاق : 12 ] إذ لا يعزب عن عمله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، وهو السميع العليم . خاتمة السورة عليك أيها السالك المتحقق بمقام القلب وسعته ، وقابليته لنزول سلطان الوحدة الذاتية الإلهية مع بُعد غورها ، ورفعة طورها عن أحلام الأنام مطلقاً أن الله المتجلي على كل جلي وخفي قدير على مقدورات لا تتناهى ، ومرادات لا تُعد ولا تُحصى بمقتضى حيطة علمه بمعلومات لا غاية يحدها ، ولا نهاية يحيطها . فله سبحانه الإعادة والإبداء ، والإماتة والإحياء ، وله التصرف في ملكه كيف يشاء حسب اقتضاء الأوصاف والأسماء ، لا إله إلا هو ، له الاسماء الحسنى ، وله الحمد في الآخرة والأولى .