Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 1-5)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } المؤيد بالوحي والإلهام من عند العليم العلام ، القدوس السلام مقتضى نبوتك وتأييدك : ألاَّ تخالف حكم الله ، ولا تبادر إلى الخروج عما قضى الله { لِمَ تُحَرِّمُ } وتمنع عن نفسك من عندك بلا ورود نهي من قِبَل الحق { مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } وأباحه عليك بمقتضى حكمته وعدالته { تَبْتَغِي } بتحريم الحلال على نفسك { مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ } وتترك رضا الله بمخالفة حكمه ؟ ! فارتدع عن فعلك هذا ، واستغفر الله لزلتك { وَٱللَّهُ } المطلع على نيتك وإخلاصك { غَفُورٌ } يعفو عنك ما صدر منك { رَّحِيمٌ } [ التحريم : 1 ] يرحمك ويقبل توبتك . رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بأَمَته مارية في يوم حفصة ، فاطلعت حفصة على ذلك فعاتبته ، فقال صلى الله عليه وسلم : حرمت مارية على نفسي لأجلك ، لا تقولي لأحد من أزواجي ، واستكتمي عنهن هذا التحريم ، وأيضاً الخلافة بعدي لأبي بكر وبعده لعمر ، ولا تفش لأحد قط ، فأخبرت حفصة عائشة بكلا الخبرين ؛ لكونهما متصادقتين ، فأخبرت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فغضب صلى الله عليه وسلم وطلق حفصة طلاقاً رجعياً ، وعزل نساءه تسعاً عشرين يوماً ؛ لأجل هذه الواقعة ، فأنزل الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } . ثمَّ لمَّا نهى سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على وجه المبالغة والتأكيد ، أراد سبحانه أن يبين كفارة اليمين الواقعة من المؤمنين فقال : { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ } وشرع { لَكُمْ } على سبيل الوجوب { تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } أي : بتحليل أيمانكم وتكفيركم عنها { وَٱللَّهُ } المصلح لأحوالكم { مَوْلاَكُمْ } ومُولي أموركم { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } لعموم مصالحكم ومفاسدكم { ٱلْحَكِيمُ } [ التحريم : 2 ] في ضبطها وإصلاحها . { وَ } اذكر { إِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ } يعني : حفصة { حَدِيثاً } وهو حديث مارية ، وحديث خلافة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - بعده صلى الله عليه وسلم { فَلَمَّا نَبَّأَتْ } وأخبرت حفصة { بِهِ } عائشة { وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ } وأطلع سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم { عَلَيْهِ } أي : على إفشاء حفصة الحديث المعهود الذي أوصاها بالإسرار ، فغضب صلى الله عليه وسلم على حفصة ؛ لذلك { عَرَّفَ بَعْضَهُ } أي : بعض الحديث ، وهو حديث تحريم مارية ، وطلقها طلاقاً رجعياً انتقاماً عنها { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } وهو قصة الخلافة ولم يعرفها ؛ لئلا يقع الفتنة بين المسلمين ، ومع ذلك قد وقعت ، وبعدما أطلع الله نبيه على إفشاء حفصة الحديث معاتباً عليها { فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ } حفصة ظناً منها أنها صدرت هذا من عائشة : { مَنْ أَنبَأَكَ } وأعلمك { هَـٰذَا قَالَ } صلى الله عليه وسلم في جوابها : { نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ } بالسرائر والخفايا { ٱلْخَبِيرُ } [ التحريم : 3 ] بما يجري في الضمائر والنيات . ثمَّ قال سبحانه في قِبَل نبيه صلى الله عليه وسلم على وجه الخطاب المبنئ عن العتاب : { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ } أنت وعائشة عما صدر عنكما توبةً صادرة عن محض الندم والإخلاص ، منبئة عن كمال الموافقة والاختصاص مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جبرتما ما كسرتما ، وإلاَّ { فَقَدْ صَغَتْ } زاغت ومالت { قُلُوبُكُمَا } عن موافقة الرسول ومخالصته ، فجئتما بما يكرهه صلى الله عليه وسلم وبكراهتكما ما يحبه صلى الله عليه وسلم { وَإِن تَظَاهَرَا } وتعاونا { عَلَيْهِ } أي : على ما أنتما عليه من مخالفة الرسول فلن تضرا له صلى الله عليه وسلم شيئاً من الضرر ، وكيف يلحقه صلى الله عليه وسلم ضرر منكما { فَإِنَّ اللَّهَ } المراقب لعموم أحواله { هُوَ } سبحانه { مَوْلاَهُ } ناصره ومعينه ، ومولي عموم أموره { وَجِبْرِيلُ } رئيس الكروبيين قرينه وملازمه { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } أتباعه وأعوانه { وَالْمَلاَئِكَةُ } أي : عموم الملائكة { بَعْدَ ذَلِكَ } أي : بعد نصر أولئك المظاهرين { ظَهِيرٌ } [ التحريم : 4 ] له سبحانه على سبيل التعريض لعموم أزواجه صلى الله عليه وسلم ؟ ! { عَسَىٰ رَبُّهُ } الذي رباه على الكرامة الأصلية ، والنجابة الجبلية { إِن طَلَّقَكُنَّ } جميعاً { أَن يُبْدِلَهُ } بمقتضى قدرته وإرادته { أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } صورة وسيرة ، أخلاقاً وأعمالاً { مُسْلِمَاتٍ } في الاعتقاد ، مسلمات عن العيوب { مُّؤْمِنَاتٍ } بوحدة الحق ، مصدقات لعموم ما نزل من عنده { قَانِتَاتٍ } راسخات على الطاعات ، مواظبات على عموم الخيرات ، خاضعات خاشعات لله في عموم الأوقات { تَائِبَاتٍ } عن عموم المنكرات والمحظورات { عَابِدَاتٍ } على وجه التذلل والخضوع ، وكمال الانكسار والخشوع { سَائِحَاتٍ } صائمات أو مهاجرات { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] يعني : سواء كن ثيبات أو أبكاراً .