Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 6-9)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ أوصى سبحانه لعموم المؤمنين ما يصلح لهم ، ويليق بحالهم فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } عليكم حفظ النفس عن مطلق المهالك الدينية { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } عن ارتكاب المعاصي ، والالتفات نحو المنكرات ، والتوجه نحو المحظورات { وَأَهْلِيكُمْ } إي : من في حفظكم وحضانتكم من أزواجكم وأولادكم عن الوقوع في المهالك والفتن ، وأنواع الآثام الموجبة للخذلان والحرمان ، وبالجملة : اتقوا { نَاراً } وأيّ نار ، ناراً { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } أي : ما يتقد به النار أجسام الأنام والحجارة ؛ وذلك من شدة حرارتها وإحراقها ، بخلاف سائر النيران فإن وقودها الحطب . ومع ذلك يوكل { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ } يوقدونها ، وهم الزبانية ، صفتهم : إنهم { غِلاَظٌ } في أقوالهم وهياكلهم ، لا يتأتى منهم الملاينة والملاطفة أصلاً { شِدَادٌ } في البطش وعموم التعذيب { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ } ولا يتجاوزون عن أمره سبحانه في عموم أوامره ، بل يمضونها على الوجه المأمور بلا فوت شيء منها بعذر وشفاعة ، أو شفقة أو مروءة ، بل يفعلون { مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] على وجهه خوفاً من غيرته سبحانه وغضبه . وبعدما نادى سبحانه عموم المؤمنين بما نادى ، نادى أيضاً عموم الكافرين على مقتضى المقابلة ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله ، وكذَّبوا رسله المبعوثين إليكم ؛ ليرشدوكم إلى سبيل الهداية والسلامة ، فأنكرتم بهم وبجميع ما جاءوا به بلا تأمل وتوقف ، عليكم أن { لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ } بأن أعمالكم دون عذابكم وأنقص منه ، بل { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ } من العذاب على مقتضى { مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ التحريم : 7 ] من الكفر والإنكار . ثمَّ قال سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة الحق من شأن إيمانكم تطهير قلوبكم عن مطلق المعاصي والآثام المنافية لصرافة وحدة الذات ، ولا يتيسر لكم هذا إلاَّ بالتوبة والرجوع على وجه الندم والإخلاص { تُوبُوۤاْ } أيها المخلصون المبتلون بقتنة الذنوب { إِلَى ٱللَّهِ } الملك القدوس ، المنزه ساحة عز حضوره عن سمة الحدوث والإمكان مطلقاً { تَوْبَةً نَّصُوحاً } خالصة لوجه الله ، قالعة لعرض الالتفات إلى غير الله ، نادمة على الذنوب الصادرة عنكم فيما مضى ، مجتنبة عن التي سيأتي ، مصفية للنفس عن مطلق الكدورات المتعلقة بالغير ، محلية لها بالتقوى عن مطلق الرذائل العائقة عن التوجه الخالص نحو المولى . { عَسَىٰ رَبُّكُمْ } بعدما تبتم ورجعتم نحوه بكمال التبتل والإخلاص { أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } ويعفو عنكم ، ولم ينتقم منكم { وَيُدْخِلَكُمْ } تفضلاً عليكم ، وإحساناً { جَنَّاتٍ } منتزهات العلم والدين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أنهار المعارف والحقائق المتجددة ، الجارية من أزل اللذات إلى أبد الأسماء والصفات . وكيف لا يكفِّر ، ولا يدخل سبحانه خلَّص عباده في جنة وحدته { يَوْمَ لاَ يُخْزِى } ولا يُرى { ٱللَّهُ } المنعم المفضل على خلَّص عباده ، سيما { ٱلنَّبِيَّ } المؤيَّد من عنده بأنواع الكرامة والتعظيم { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } واهتدوا بهدايته ، مع أن شأنهم هكذا { نُورُهُمْ } الذي اقتبسوه من مشكاة النبوة المصطفوية { يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } أي : محيطاً بهم ، محفوفاً عليهم وقت عبورهم من الصراط ؟ ! ثمَّ لمَّا تفاوتت أنوارهم بحسب الجلاء والخفاء المترتب على أعمالهم واستعداداتهم الفطرية { يَقُولُونَ } مناجين : { رَبَّنَآ } يا من ربَّانا على الهداية والرشاد { أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } تفضلاً علينا ، ومزيد إحسان بنا { وَٱغْفِرْ لَنَآ } ذنوبنا ؛ أي : استر أنانيتنا عن عيوب بصائرنا { إِنَّكَ } بمقتضى جودك { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } يدخل في حيطة علمك وإرادتك { قَدِيرٌ } [ التحريم : 8 ] . ثمَّ قال سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } المبعوث ؛ لإعلاء كلمة التوحيد { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ } الذين سرتوا بكغيوم هوياتهم الباطلة شمس الحق ، وأنكروا وجودها عناداً ومكابرةً ، وقاتل معهم بلا مبالاة بشوكتهم ، وكثرة عَددهم وعُددهم ، هم { وَٱلْمُنَافِقِينَ } أيضاً ، مع أنك مؤيَّد من لدنا بالحجج القاطعة ، والبينات الساطعة { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } بالأقوال والأفعال ، ولا تكن معهم بعد اليوم ، مثل ملاينتك معهم قبله ، بل اشدد عليهم ، فإن الله معينك وناصرك ، وهم سيغلبون عن قريب في الدنيا { وَ } في الآخرة { مَأْوَاهُمْ } المعدّ لهم { جَهَنَّمُ } البعد والحرمان ، وسعير الطرد والخذلان { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ التحريم : 9 ] مصيرهم ومورجعهم جنهم .