Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 1-15)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ نۤ } أيها النبي النائب عن الحق ، الناظر بنور الله ، النقي عن جميع الرذائل والآثام المنافية لمرتبة النبوة والولاية { وَ } حق { ٱلْقَلَمِ } الأعلى { وَ } بحق { مَا يَسْطُرُونَ } [ القلم : 1 ] ويكتبون بها الملأ الأعلى من الأسماء والصفات المأمورة بتصويرات الأشياء الكائنة في النشأة الأولى والأخرى حسب آثار الأوصاف والأسماء الإلهية التي لا تُعدّ ولا تُحصى . { مَآ أَنتَ } يا أكمل الرسل المبعوث إلى كافة البرايا { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } الذي ربَّاك على الهداية العامة ، والولاية المطلقة ، وأعطاك من الفضائل والكمالات المتعلقة لمرتبتي النبوة والولاية { بِمَجْنُونٍ } [ القلم : 2 ] أي : ما أنت غافل عنها ، ذاهل عن أداء حقها ، جاهل بشكر نعمها ومولاها . { وَإِنَّ لَكَ } يا أكمل الرسل باحتمالك أعباء الرسالة والتبليغ ، وتصبرك على أذيات أصحاب الزيغ والضلال { لأَجْراً } عظيماً من عند الله { غَيْرَ مَمْنُونٍ } [ القلم : 3 ] منقطع أبد الآبدين ؛ إذ ما يترتب على مرتبتك الجامعة من الكرامات اللائقة البديعة ، لا انقطاع لها أصلاً . { وَإِنَّكَ } من كمال تخلقك بالأخلاق الإلهية ، وتحققك بقمام الخلة والخلافة { لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 4 ] لا خلق أعظم من خلقك ؛ لحيازتك وجمعك خُلق الأولين والآخرين حسب جامعية مرتبتك . وبالجملة : { فَسَتُبْصِرُ } يا أكمل الرسل { وَيُبْصِرُونَ } [ القلم : 5 ] أولئك المصرفون المفرِّطون بنسبتك إلى الجنون حين تبلى السرائر ، وينكشف ما في الضمائر ، وينزل العذاب على أهله . { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } [ القلم : 6 ] أي : أيكم يفتن بالجنون : المؤمنون المهتدون بهدايتك ، أو الكافرون الضالون بغوايتهم ؟ . وبالجملة : { إِنَّ رَبَّكَ } الذي ربَّاك على الرشد والهداية { هُوَ أَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { بِمَن ضَلَّ } وانحرف { عَن سَبِيلِهِ } الموصل إلى توحيده { وَهُوَ } أيضاً { أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [ القلم : 7 ] المتمكنين منهم على جادة التوحيد ، والصراط المستقيم الموصل إلى جنة الرضا ، وروضة التسليم . وبعدما سمعت نبذاً من شأنك في شأنك في النشأة الأخرى : { فَلاَ تُطِعِ } أيها النبي المجبول على الهداية والفلاح { ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ القلم : 8 ] المجبولين على الغواية و الضلال ؛ يعني : مشركي مكة ؛ لأنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه سبحانه أن يطيعهم ، ويقبل منهم دعوتهم . فإنهم { وَدُّواْ } وأحبُّوا { لَوْ تُدْهِنُ } وتلائم معهم ، وتوافقهم في دينهم { فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] معك ، ويلاينونك ويوافقون معك ، ولا يطعنون بدينك . { وَ } بعدما صرت متخلفاً بالخلق العظيم ، ومتصفاً بالأوصاف الحميدة الإلهية { لاَ تُطِعْ } آراء ذوي الأخلاق الذميمة ، والأطوار القبيحة مطلقاً ، سيما { كُلَّ حَلاَّفٍ } مبالغ بالحلف الكاذب ؛ لترويج آراء ذوي الباطل الزاهق الزائل { مَّهِينٍ } [ القلم : 10 ] مهان عند الناس ؛ بسبب الكذب والحلف عليه . { هَمَّازٍ } عيَّاب طعَّان يغتاب ويطعن بعض الناس عند بعضهم { مَّشَّآءٍ } يدور بين الناس { بِنَمِيمٍ } [ القلم : 11 ] أي : ينقل حديث بعض عن بعض ؛ حتى يوقع بينهم الفتنة والبغضاء . { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } شحيح بخيل لا ينفق من ماله على من يستحقه ، ويمنع أيضاً صاحبه وصديقه عن الإنفاق ؛ لئلا يلحق العار عليه خاصة { مُعْتَدٍ } مجاوز الحد في أنواع الظلم ، وأصناف الفسوق والعصيان { أَثِيمٍ } [ القلم : 12 ] مبالغ في اقتراف الإثمَّ والعدوان بلا مبالاة . { عُتُلٍّ } غليظ الهيكل ، قاس القلب ، كريه المنظر ، عريض القفا ، متناهٍ في البلادة { بَعْدَ ذَلِكَ } الاتصاف بالأوصاف المذمومة المذكورة { زَنِيمٍ } [ القلم : 13 ] دعي بين القوم ، لا يكون له نسب معروف ، ولا حسب مستحسن مقبول . ومن كمال دناءته وخساسته { أَن كَانَ } أي : أنه كان { ذَا مَالٍ } عظيم { وَبَنِينَ } [ القلم : 14 ] كثيرة مستحقة شكر المنعم المفضل ، ولم يشكره . بل يكفره ؛ لأنه { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا } الدالة على وحدة ذاتنا ، وكمالات أسمائنا وصفاتنا { قَالَ } من كمال كفره وكفرانه ، وبغيه وعدوانه : ما هذا إلاَّ { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ القلم : 15 ] أي : الأكاذيب القديمة التي سطرها الأولون ودونوها . قيل : هذا الوليد بن المغيرة الذي جمع الله فيه هذه المثالب الذميمة .