Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 1-15)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْحَاقَّةُ } [ الحاقة : 1 ] أي : النشأة الأخرى التي ظهرت فيها حقية الحق وثبوته ، وتحقق دونها من على الحق ، وفاز بجزائه ، واستقر في دار السرور ، ومن على الباطل ولحق العذاب المعد له ، واستقر على الويل والثبور ، ثمَّ استفهم سبحانه عنها تهويلاً وتعظيماً فقال : { مَا ٱلْحَآقَّةُ } [ الحاقة : 2 ] التي انقهرت دونها أظلال الأغيار ، وأشباح العكوس والسوى مطلقاً ، وبروز الله الواحد القهار ؟ . ثمَّ زاد سبحانه على تهويلها بأن نفاها عن إحاطة علم حبيبه صلى الله عليه وسلم الذي جاء من عنده رحمةً للعالمين أياها ، فقال : { وَمَآ أَدْرَاكَ } أي : وأي شيء أعلمك وأفهمك يا أكمل الرسل { مَا ٱلْحَاقَّةُ } [ الحاقة : 3 ] التي طويت دونها نفوس الكثرات والإضافات مطلقاً ، وفنيت عندها عكوس الأسماء والصفات رأساً ؟ وبالجملة : انقهرت رسوم الناسوت ، ولم يبق إلاَّ الحي القيوم اللاهوت ، ولا شك أنه متعال عن مطلق الإدراك والاطلاع المترتب على نشأة الناسوت . قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع للمكذبين بها والمنكرين عليها : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } [ الحاقة : 4 ] أي : بالحاقة التي يقرع الأسماع سماع أهوالها ، ويدهش العقول ذكر أفزاعها . { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] أي : بسبب طغيانهم بالتكذيب المتجاوز عن الحد ، أُهلكوا بصيحة هائلة مجاوزة عن حد الصياح . { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } باردة في غاية البرودة { عَاتِيَةٍ } [ الحاقة : 6 ] شديدة العصف ، بحيث لا يقدرون على دفعها وردها أصلاً . حين { سَخَّرَهَا } وسلطها { عَلَيْهِمْ } سبحانه بمقتضى قهره وانتقامه { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } متتابعات مترادفات ، قاطعات قالعات { فَتَرَى } أيها المعتبر الرائي { ٱلْقَوْمَ فِيهَا } أي : في تلك الأيام والليالي { صَرْعَىٰ } هلكى { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] ساقطة عن أصولها ، لا جوف لها . { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم } أي : ما ترى لهم بعد تلك الأيام { مِّن بَاقِيَةٍ } [ الحاقة : 8 ] أي : لم يبق منهم نفس لها حياة بعد تلك الواقعة الهائلة . { وَ } بعد انقراض هؤلاء الغواة الطغاة ، الهالكين في تيه الجهل والعناد { جَآءَ فِرْعَوْنُ } الطاغي المجاوز عن الحد والبغي والعدوان { وَمَن قَبْلَهُ } ويقدم عليه من الأمم الباغية ، أو من معه من ملئه وأشرافه - على القراءتين - { وَ } جاء أيضاً { ٱلْمُؤْتَفِكَاتُ } هي قرى قوم لوط عليه السلام ؛ والمراد : من فيها كلهم جاءوا { بِالْخَاطِئَةِ } [ الحاقة : 9 ] المعهودة التي هي إنكارهم بيوم الحاقة الحقة على وجه المبالغة . وبعدما جاء الرسل إليهم بالوحي { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } أي : عصى كل أمة برسولها المبعوث إليهم ؛ ليديهم إلى طريق الرشاد ، فكذبوه واستهزءوا معه ، وبالغوا في تكذيبه وعصيانه سبحانه { فَأَخَذَهُمْ } سبحانه { أَخْذَةً رَّابِيَةً } [ الحاقة : 10 ] زائدة شديدة على مقتضى ما ازدادوا في العصيان والتكذيب . اذكر يا أكمل الرسل شدة أخذنا إياهم { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ } بعدما أمرناه بالطغيان في يوم الطوفان { حَمَلْنَاكُمْ } أي : آباءكم الذين آمنوا بنوح عليه السلام ، وأنتم في أصلابهم { فِي ٱلْجَارِيَةِ } [ الحاقة : 11 ] أي : السفينة التي صنعها نوح بتعليمنا إياه قبل الطوفان بمدة ، وأغرقنا الكفرة بأجمعهم إلى حيث لم يبق على الأرض سوى أصحاب السفينة أحد من البشر . وإنما حملناكم عليها وأنجيناكم بها { لِنَجْعَلَهَا } أي : هذه الفعلة الجميلة التي هي نجاة المؤمنين من الطوفان العظيم { لَكُمْ } أيها المستخلفون المكفلون { تَذْكِرَةً } عظة وعبرة ، وتبصرة دالة على كمال قدرة الصانع الحكيم ، ومتانة حكمته { وَتَعِيَهَآ } أي : تستحضر بها وتحفظها ؛ أي : هذه التذكرة والتبصرة الكاملة { أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [ الحاقة : 12 ] حافظة للعبر والتذاكير المورثة للقلوب الصافية الخائفة خيراً كثيراً ، ونفعاً كبيراً . وبعدما بالغ سبحانه في وصف القيامة ، وشرح أهوالها وأحوالها ، وذكر حال من كذب بها ، ومآل أمره ، أراد أن يشرح ما ظهر فيها من الأمور الهائلة والوقائع العظيمة عند قيامها ، فقال : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } [ الحاقة : 13 ] وهي النفخة الأولى التي عندها خراب العالم . { وَ } بعد ظهور النفخة الأولى { حُمِلَتِ } ورفعت { ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } من أماكنها التي استقرتا عليها بأن أمر عليهما سبحانه بالتسيير والاضطراب بمقتضى القدرة الغالبة { فَدُكَّتَا } انكسرتا وانبسطتا ، فصارتا { دَكَّةً وَاحِدَةً } [ الحاقة : 14 ] أي : قاعاً صفصفاً ، مساواة ملساء لا عوج لها ولا أمتاً . { فَيَوْمَئِذٍ } أي : حين وقوع هذه الحالة الهائلة { وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [ الحاقة : 15 ] وقامت القيامة الكبرى ، والطامة العظمى .