Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 11-18)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من عموم وجودنا أيضاً أنا { لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } أي : قدرنا تعيناتكم وأظهرنا هوياتكم من كتم العدم { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } أي : زيناكم بصورنا وخلقناكم بأخلاقنا { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ } المهيمين المستغرقين بمطالعة جمالنا : { ٱسْجُدُواْ } تذللوا ، تواضعوا { لأَدَمَ } المصور على صورتنا تعظيماً لنا وتكريماً له ؛ إذ هو مرآة مجلوة تحاكي جميع أوصافنا وأسمائنا ، وترشدكم إلى وحدة ذاتنا ، وبعدما شهدوا آثار جميع أوصافنا وأسمائنا منه { فَسَجَدُوۤاْ } جميعاً متذللين { إِلاَّ إِبْلِيسَ } الذي هو رأس جواسيس النفوس الخبيثة { لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الأعراف : 11 ] مع كونه من زمرتهم حين أرموا ، ثم لما امتنع إبليس عن السجود . { قَالَ } سبحانه إظهاراً لما تحقق في علمه وكمن في غيبه من خبث طينة إبليس : { مَا مَنَعَكَ } يا أبليس { أَلاَّ تَسْجُدَ } لخليفتي { إِذْ أَمَرْتُكَ } مع رفقائك ؟ { قَالَ } إبليس في الجواب بمقتضى هويته الباطلة وأهويته الفاسدة : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } وأفضل { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ } منير { وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ الأعراف : 12 ] مظلم كدر ، ولا يحسن تذلل الفاضل للمفضول . لما امتنع عن مقتضى الأمر الوجوبي ، ولم يتفطن بسره الذي هو التوحيد الذاتي ؛ إذ الأمر سجود المظهر الجامع والظل الكامل ، أمر بالتوجه نحو الذات الأحدية والمعبود الحقيقي المتجلي عليه ، طرده سبحانه عن ساحة عز حضوره حيث { قَالَ } مبعداً : { فَٱهْبِطْ } أيها المطرود الملعون { مِنْهَا } أي : من ساحة عز التوحيد المقتضية للتذلل التشخع ، ورفض الالفتات إلى الغير والسوى مطلقاً { فَمَا يَكُونُ } يجوز ويصح { لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } بادعاء التفضل والتفوق المتقضي للإضافات الناشئة من أنانيتك الباطلة { فَٱخْرُجْ } منها مطروداً مخذولاً { إِنَّكَ } حيث كنتن وأين كنت { مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } [ الأعراف : 13 ] الذليلين المحرومين ، بل أنت سبب صغار سائر الأذلاء . ثم لما آيس إبليس عن القوبل وحرم عن ساحة عز الحضور بسبب إبائه عن سجوده آدم ، { قَالَ } منتقماً من آدم متضرعاً إلى ربه : { أَنظِرْنِي } أي : أمهلني يا ربي فيما بينهم لأضلهم وأغويهم { إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الأعراف : 14 ] . { قَالَ } سبحانه إظهاراً للسر الذي أسلفناه في سورة البقرة : { إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } [ الأعراف : 15 ] فيما بينهم ليتميز المحق منهم من المبطل والمهدي من الغوي . { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } أي : فبسبب ما بعدتني وأطردتني لأجلهم { لأَقْعُدَنَّ } وألزمن البتة { لَهُمْ } لإغوائهم وإضلالهم { صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] أي : على دينك وطريقتك الموصل لهم إلى توحيدك ، أغويهم وأوسوسهم بأنواع الوسوسة بعضهمب بالفسق والظلم ، وبعضهم بالرياء والسمعة ، وبعضهم بالمخائل الفاسدة من اللذات الوهمية والخيالية ، وبالجملة : أوسوسهم وأخرجهم بأنواع الحيل عن جادة توحيدك . { ثُمَّ } بعدما أرد وسوستي في نفوسههم { لآتِيَنَّهُمْ مِّن } جميع جهاتهم { بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي : يضلهم بالمعاصي الحاصلة من قدامهم { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي : بالمعاصي الحاصلة منه { وَ } أيضاً { عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَ } بالجملة : استسخرهم وأحيط عليهم بإغوائي ووسوستي إلى حيث { لاَ تَجِدُ } يا معز كل ذليل ، ومدل كل دليل { أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعراف : 17 ] بعد رجوعهم إليك شاكرين ، صارفين ما آتيتهم من النعم إلى ما أمرتهم به . ثم لما طرده الحق وأبعده وأنظره ابتلاء لعباده { قَالَ } سبحانه : { ٱخْرُجْ } أيها المردود المطرود { مِنْهَا } أي : من عرصة أهل التوحيد { مَذْءُوماً } حاملاً للمذمة { مَّدْحُوراً } مطروداً مستوجباً للعنة وافعل بهم ما شئت ، والله { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } بعدما أظهرتهم على صورتي ، وكرمتهم بكرامتي على جميع خليقتي ، ونخفت فيهم من روحي وتجليت عليهم بجميع أسمائي وأوصافي ، وأرسلت إليهم أنبيائي ورسولي ، وأنزلت عليهم كتبي لتبيين طريق توحيدي ؛ لأطردنهم البتة عن عز حضوري ، وأخرجهم عن جنة سروري ، واعلموا يا بني آدم { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } البعد الخذلان { مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } [ الأعراف : 18 ] إن ابتعتم عدوي وعدوكم ، فعليكم أن تجتنبوا عن غوائله .