Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 126-129)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ } أيها الطاغي المتجبر المتكبر وتنكر عليها { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا } أيقنا وأذعنا { بِآيَاتِ رَبِّنَا } الذي أظهرنا من كتم العدم ، وربانا بأنواع اللطف والكرم { لَمَّا } أي : حين { جَآءَتْنَا } تلك الآيات ، وانكشفنا بحقيتها بتوفيق منه وجذب من جانبه ، ولو كوشفت أيضاً بما انكشفنا ، ارتفع غطاء التعامي وغشاوة الغفلة عن بصرك وبصيرتك ، فتشهد بما شهدنا إلا أن الحق سبحانه ختم على قبلك وبصرك وسمعك بالغشاوة الغليظة والحجب الكثيفة ؛ لذلك استكبرت واستنكرت ، وبالجملة : { مَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] . ثم انصروا نحو الحق واشتغلوا بالمناجاة معه سبحانه ، فقالوا متضرعين : { رَبَّنَآ } يا من ربانا بلطفك وكرمك إلى أن جعلتنا من زمرة شهدائك الذين بذلوا مهجهم في سبيلك طائعين راغبين { أَفْرِغْ } أفض واصبب { عَلَيْنَا صَبْراً } من عندك متوالياً متتابعاً حين اشتغل هذا الطاغي على قضاء ما هددنا به بحيث لا يغيب عنا شوقك ، ولا يغلب على قلوبنا ألم ناسوتنا اصلآً { وَ } حين انقطعت أنفاسنا وخرجت أرواحنا { تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } [ الأعراف : 126 ] مستقرين على الرضا والتسليم ، ثابتين على جادة التوحيد والعرفان بلا تزلزل وتمايل . ثبت أقدامنا على دينك وتوحيدك يا خير الناصرين . { وَ } بعدما فعل فرعون بالسحرة أنار الله براهينهم ما هددهم به { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ } يعني : بني إسرائيل { لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } سيما بعدما انتشر في أقطار الأرض غلبتهما عليك ، ويغيروا طباع الناس عنك ، ويوقعوا الفتن بين رعايا بلادك { وَ } بالجملة : أدى أمرهم وإيقاعهم إلى أن { يَذَرَكَ } أي : كل واحد منهم عبادتك { وَ } عبادة { آلِهَتَكَ } التي وضعتها لعبادة عبادك من الأصنام والتماثيل لتتخذوها معبودات وتتوجهوا نحوها { قَالَ } فرعون : لا ندعهم بعد اليوم على ما كانوا عليه من قبل ، ولا نستأصلهم أيضاً ؛ لئلا ينسب الظلم والعجز إلينا ، بل نستضعفهم على التدرج { سَنُقَتِّلُ } بعد اليوم { أَبْنَآءَهُمْ } أي : ذكور أولادهم ؛ لئلا يتكثروا { وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ } أي : إناث أولادهم حتى نتزوجهن وينزجروا بلحوق العار ، وإذا مضى زمان على هذا انقرضوا واستؤصلوا ، وكيف لا نفعل بهم ما نقول { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } [ الأعراف : 127 ] قادرين غالبون . وبالجملة : لما فعلنا بهم من قبل فيما مضى ، هكذا أيضاً الآن حتى لا يتوهم أن موسى هو المولود الذي زعم الكهنة والمنجمون أن ذهاب ملكنا على يده . ثم لما سمع بنو إسرائيل تهديد فرعون تفزعوا منه وتضجروا ، وبثوا الشكوى إلى الله متضرعين { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } تسلية لهم وإزالة لضجرتهم : { ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ } لدفع مضارهم { وَٱصْبِرُوۤاْ } على أذاهم ولا تقنطوا من نصر الله وعونه واعلموا { إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ } إيجاداً وتملكاً وتصرفاً { يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ } بالجملة { ٱلْعَاقِبَةُ } الحميدة { لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] الذين يتقون عن محارم الله ، ويصبرون على ما ج اءهم من القضاء . { قَالُوۤاْ } يعني : بنو إسرائيل : { أُوذِينَا } من أجلك يا موسى { مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا } بالرسالة بقتل الأبناء واستحياء النساء { وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } أيضاً كذلك { قَالَ } موسى : لا تيأسوا من نصرف الله وإنجاز وعده ، بل { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } أي : قرب أمر ربكم وإنجاز وعده بإهلاك عدوكم { وَ } بعد أهلاكهم { يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } التي هم فيها { فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 129 ] هل تشكرون نعمه أم تكفرونها أو تعلمون من الصالحات أم تفسدون فيها مثلهم ؟ .