Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 152-155)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال سبحانه { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } المصوغ إلهاً بمجرد الخوار الذي صدر منه { سَيَنَالُهُمْ } وينزل عليهم في النشأة الأخرى { غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ } يطردهم ويبعدهم عن ساحة عز حضوره { وَذِلَّةٌ } صغار وهوان { فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ } في النشأة الأولى والآخرى { نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } [ الأعراف : 152 ] المشركين لنا غيرنا من مخلوقاتنا ؛ افتراءً ومراءً . ثمَّ قال سبحانه { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } قصداً وخطأً { ثُمَّ تَابُواْ } ورجعوا نحونا نادمين { مِن بَعْدِهَا } أي : من بعد توتبهم { وَ } الحال أنه قد كان توبتهم مقرونة بالإيمان بأن { آمَنُوۤاْ } بالله وملائكته وكتبه ، ورسله { إِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { مِن بَعْدِهَا } أي : من بعد ما جاءوا بالتوبة عن ظهر القلب { لَغَفُورٌ } لما صدر عنهم من الذنوب { رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 153 ] يقبل توبتهم بعدما وفقتهم بها . { وَلَماَّ سَكَتَ } أي : سكن وذهب { عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } الذي استولى عليه إلى حيث ألقى ألواح التوارة ، وأخذ شعر أخيه يجره { أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ } المنكسرة المتلاشية وإن انكسر ما فيها تفصيل كل شيء { وَ } قد بقي منها ما { فِي نُسْخَتِهَا } أي : ما نسخ ورقم عنها سالمة عن الانكسار { هُدًى } أي : أوامر ونواهي توصلهم إلى توحيد الحق إن امتثلوا به وقبلوا { وَرَحْمَةٌ } تنجيهم عن الضلال إن اتصفوا بها ، كل ذلك حاصل { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [ الأعراف : 154 ] أي : يخافون من الله ؛ طلباً لرضاه لا لغرض آخر من الرياء والسمعة ، بل من طلب الجنة وخوف العذاب أيضاً . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمن تبعك قصة الكليم حين { ٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } أي : اختار وانتخب موسى ب إذن منا من قومه { سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } فانتخب من كل سبط من الأسباط الاثني عشر ستة نفر فزاد على المبلغ اثنين ، فأمر موسى بتقاعدهما فتخاصموا وتشاجروا في تعيينهما ، إلى أن قال موسى : إن أجر من قعد مثل أجر من صعد ، بل أكثر فقعد كالب ويوشع ، وذهب موسى معهم ، فلما دخلوا شعب الجبل وأرادوا الصعود غشيته غمام كثيف مظلم ، قد خلوا الغمام وخروا سجداً ، فسمعوا يتكلم سبحانه مع موسى يأمره وينهاه ، وهو يناجي ربه . فلمَّا تم الكلام وانكشف الغمام قالوا بعدما سمعوا كلامه سبحانه مستكشفين عن ذاته : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً ظاهرة ، منكشفة ذاته لأبصارنا ، كما انكشف كلامه لأسماعنا ، فأخذتهم الرجفة ؛ بسبب سؤالهم هذا { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } الصاعة النازلة من قهر الله وغضبه ؛ لطلبهم ما ليس في وسعهم واستعدادهم { قَالَ } موسى مشتكياً إلى الله : { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ } أي : لو تعلقت مشيتئك لإهلاكهم لِمَ لَمْ تهلكهم { مِّن قَبْلُ } أي : من قبل إسماعهم كلامك ؟ { وَإِيَّايَ } أيضاً ؛ أي : لِمَ لَمْ تهلكني ؛ حتى لاتنسب إليَّ إهلاكهم عند عوام بني إسرائيل وتشأمهم بي من غاية اضطرابه ؟ { أَتُهْلِكُنَا } بالصاعقة الشديدة يا رب { بِمَا فَعَلَ } أي : بسبب سؤال سائل { ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } صدر عنهم هفوة بلا علم لهم بعظمتك وجلالك وحق قدرك وعزك . بل { إِنْ هِيَ } أي : هل هي { إِلاَّ فِتْنَتُكَ } اختبارك ، ابتلاؤك إياهم ، بأن أسمعت لهم كلامك فأوقعتهم بهذه الفتنة ؛ إذ أنت { تُضِلُّ بِهَا } أي : بفتنتك { مَن تَشَآءُ } من عبادك ، بأن اجترءوا بعد انكشافك عليهم نوع انكشاف إلى انكشاف أعلى منه وأجلى فضلوا وكفوا بلا علم لهم إلى مقتضى استعدادهم { وَتَهْدِي } بها { مَن تَشَآءُ } بأن سكتوا عن السؤال مطلقاً ، وفوضوا أمورهم كلها إليك ولا يسألون عنك ما لم يستأذنوا منك ، والكل بيدك { أَنتَ وَلِيُّنَا } ومولي أمورنا ، ومولى نعمنا { فَٱغْفِرْ لَنَا } ما جرى علينا من المعاصي والآثام { وَٱرْحَمْنَا } برحمتك الواسعة تفضلاً علينا وامتناناً ، واعف عنا بفضلك وجودك { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } [ الأعراف : 155 ] الساترين ذنوب العصاة المسرفين .