Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 148-151)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من جملة الأسباب الموجبة لإحباط أعمالهم : اتخاذهم العجل إلهاً ، وذلك أنه { ٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } أي : من بعد ذهابه إلى الميقات عنده ربه { مِنْ حُلِيِّهِمْ } التي ورثوها من القبط بتعليم السامري أياهم { عِجْلاً } صورة عجل ، وبعدها أذابوا الحلي وصاغوها ألغى السامري عليها ما قبض من تراب حافر فرس جبريل فصارت { جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } صوت كصوت البقر ، فقال السامري : هذا إلهكم وإله موسى فاتخذوها إلهاً ، مع أنهم صاغوها بأيديهم من حليهم ، أيأخذون العجل المصنوع إلهاً أولئك الهالكون في تيه الغفلة والنسيان . { أَلَمْ يَرَوْاْ } أي : لم يعلموا ولم يتفطنوا { أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } أي : المصوغ المصنوع لا يكلمهم بكلامٍ دال على إصلاح حالهم { وَلاَ يَهْدِيهِمْ } ويرشدهم { سَبِيلاً } أي : الخير والصواب حتى يستحق للعبودية ، بل { ٱتَّخَذُوهُ } معبوداً ظلماً وزوراً { وَكَانُواْ } في أنفسهم { ظَالِمِينَ } [ الأعراف : 148 ] خارجين مجاوزين عن مقتضى العقل والنقل . { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ } أي : ظهر ندمهم عن فعلهم ، واشتد فيهم تجهيل نفوسهم وتخطئة عقولهم ، ولاح عندهم قبح صنيعهم هذا { وَ } بالجملة : { رَأَوْاْ } وعلموا { أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ } بهذه الغفلة القبيحة عن مقتضى العقل والنقل { قَالُواْ } متضرعين مسترجعين خائفين ، خجلين : { لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا } بسعة رحمته وجوده { وَ } لم { يَغْفِرْ لَنَا } ما جئتنا به ولم يتجاوز عنا ما فرطنا فيه { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 149 ] خسراناً عظيماً في الدنيا والآخرة . { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } بعدما وقع فيه ما وقع ، وسمع ما سمع صار { غَضْبَٰنَ } أي : استولى عليه غضبه حمية وغيرة { أَسِفاً } متأسفاً متحزناً ؛ لضلال قومه { قَالَ } مغاضباً : { بِئْسَمَا } أي : بئس شيئاً { خَلَفْتُمُونِي } أي : أبدعتم خلفي { مِن بَعْدِيۤ } أي : من بعد ذهابي إلى ربي ؛ لأزيد صلاحكم وإصلاحكم أيها المسرفون المفرطون فازددتم الضلال ، واستوجتبم النكال { أَعَجِلْتُمْ } أيها الحمقى { أَمْرَ رَبِّكُمْ } أي : عذابه وعقابه { وَأَلْقَى } من غضبه { ٱلأَلْوَاحَ } التي كانت بيده من التوراة فانكسر منها واضمحل ما يتعلق بتفصيل الاحكام ، وبقي المواعظ { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } هارون ؛ أي : من شعر رأسه ؛ من غاية غضبه وغيظه { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } أي : إلى نفسه ؛ زجراً له وتشدداً عليه كيف لا يحفظهم ، ولا ينكر عليهم ؛ حتى لا يضلوا ولا يكفروا باتخاذ العجل لها ؟ { قَالَ } هارون معتذراً متحزناً : { ٱبْنَ أُمَّ } أضافه إلى الأم استعطافاً { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي } حين أظهرت الإنكار عليهم ، وأردت أن أصرفهم عمَّا هم عليه ، وصاروا بأجمعهم أعدائي ، بل { وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } لشدة غيظهم عليَّ وعداوتهم معي ، وأنت أيضاً تغضب عليَّ وتجر رأسي ، وهم يفرحون ويضحكون ببغضك عليَّ وزجرك إياي { فَلاَ تُشْمِتْ } ولا تٌفرح يا أخي { بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي } شريكاً { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } [ الأعراف : 150 ] الخارجين عن مقتضى العقل والنقل . ثمَّ لمَّا سمع موسى من هارون ما سمع ندم عن فعله وعن سوء الأدب مع أخيه ؛ لأنه أكبر منه سناً ، واسترجع إلى الله حيث { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي } عمَّا صنعت مع أنه بريء مما نسبت إأليه { وَ } اغفر أيضاً { لأَخِي } فلم يتقاعد ويتقاصر عن إنكار هؤلاء المضلين المتخذين لك شريكاً من أدنى مخلوقاتك { وَأَدْخِلْنَا } بفضلك وجودك { فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ الأعراف : 151 ] .