Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 183-186)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأُمْلِي لَهُمْ } أي : أمهلهم في بطرهم وغفلتهم إلى حيث ازدادو على نفوسهم من العتو والفساد الموجب لشدة العذاب ؛ مكراً عليهم وكيداً { إِنَّ كَيْدِي } أي : مكري وخداعي مع العصاة الغواة ، الضالين عن منهج { مَتِينٌ } [ الأعراف : 183 ] محكم حيث لم يحسوا به أصلاً إلى أن أخذوا بأسوأ العذاب وأشد النكال . ثمَّ أشار سبحانه إلى توبيخ المسرفين المسفهين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عناداً ومكابرةً فقال : أما تستحيون من الله أولئك المسرفون ، المفرطون في نسبته الجنون إلى من فاق على جميع العقلاء بالرشد والهداية ؟ { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } ويتدبروا أنه { مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } خفة عقل موجب للخيط ، وما لم يفهموا من كلامه إلى أن صدر عنهم هفوة لا عن قصد ، ويسمونه مجنوناً لذلك { إِنْ هُوَ } أي : بل ما هو صلى الله عليه وسلم عند التحقيق { إِلاَّ نَذِيرٌ } ينذرهم بإذن الله ووحيه ، ويخوفهم بما يخوفهم الله به { مُّبِينٌ } [ الأعراف : 184 ] عظيم الشأن ، ظاهر في أمر الإنذار . رُوي أنه صلى الله عليه وسلم صعد الصفا يوماً فدعاهم فخذاً فخذاً ، يحذرهم عن بأس الله بطشه فقال قائلهم : إن صاحبكم لمجنون ، فزلت . ثمَّ قال سحبانه على سبيل التوبيخ لهؤلاء المسرفين الذين ينسبون ما هو خارج عن مدركات عقولهم إلى الجنون : أينسبون جميع ما يخالف عقولهم إلى الجنون ويدعون استقلال العقل في العلوم المتعلقة في الأشياء كلها { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ } ويتدبروا كيف تقصر وتدهش عقولهم { فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } وكيفية نظمها وقصدها وتربيتها وتطبيقها ، وما فيها من كواكبها وبروجها وحركاتها وأدوارها ، وانقلاباتها صيفاً وشتاءً وربيعاً وخريفاً . { وَٱلأَرْضِ } وما عليها من تلالها ووهادها ، وأنهارها وبحارها ، ورياضها وأزهارها ، وغرائبها وبدائعها المكنونة والمتكونة فيها ، بل { وَ } في جميع { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } وأظهره من كتم العدم إظهاراً إبداعياً { مِن شَيْءٍ } أي : مما يطلق عليه اسم الشيء ، تدهق وتتحير في ظهور فحول العقلاء إلى حيث لم يفهموا كيفية ظهور ذرة صغيرة من ذرائر العالم ، فيكف لميتها ؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم دعائه : " الله أرنا الأشياء كما هي " ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : " رب زدني تحيراً " . هذا في الآفاق الخارجة عنهم { وَ } أمَّا في أنفسهم فلم ينظروا { أَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } المقدر المسمى لهم ، وهم لا يفهمونه ، وإن اجتمع جميع العقلاء في تعيين أجل شخص واحد ، ومع قصور نظرهم وسخافة عقلهم ينسبون الجنون إلى المكاشفين المناظرين بنور الله ، المطالعين المشاهدين دائماً صفاء وجهه الكريم ، وهم الذين انخلعوا عن لوازم البشرية مطلقاً ، وشقوا جلباب الناسوت رأساً ، وخرقوا الحجب المسدولة بالكلية وصاروا ما صاروا ، لا إله إلا هو ، كل شيء هالك إلا وجهه ، وبعدما سقط العقل عن درجة الاعتبار ، واضمحل مدركاته عن الاعتماد فلا تعويل إلا على الوحي والإلهام الملقى من عند العليم العلام { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ } من الأحاديث المهمة والموحى به { بَعْدَهُ } أي : بعد نزول القرآن { يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 185 ] أي : المؤمنون المصدقون بالوحي والإلهام . وبالجملة : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } الهادي إلى سبيل الرشاد { فَلاَ هَادِيَ لَهُ } يرشده فعليك ألاَّ تجتهد يا أكمل الرسل في إهدائهم ، ولا تصغي أيضاً إلى أباطيلهم ؛ إذ أمرهم مفوض إلى الله { وَ } كيف تجتهد وتسعى في إيمانهم ؛ إذ هم قوم { يَذَرُهُمْ } ويتركهم الله باسمه المضل المذل { فِي طُغْيَانِهِمْ } المتجاوز عن الحد { يَعْمَهُونَ } [ الأعراف : 186 ] يترددون وتحيرون إلى أن يأخذهم بما يأخذهم ، دعهم وأباطيلهم فيها يترددون وفي سكراتهم يعمهون .