Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-18)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَأَلَ سَآئِلٌ } أي : جرى على سبيل السيل والطغيان وادي الإمكان مملوءاً { بِعَذَابٍ } أي : أنواع من العذاب { وَاقِعٍ } [ المعارج : 1 ] . { لِّلْكَافِرِينَ } الساترين بطبائعهم الكثيفة ، وهوياتهم الباطلة السخيفة شمس الحق الظاهرة في الأنفس والآفاق بمقتضى الاستحقاق إلى حيث { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } [ المعارج : 2 ] يرده ويدفعه عنهم . { مِّنَ ٱللَّهِ } أي : من قبله وجتهه ؛ لتعلق مشيئته ومضاء قضائه المبرم على وقوعه لأعدائه ، مع أنه سبحانه { ذِي ٱلْمَعَارِجِ } [ المعارج : 3 ] والدرجات العليَّة ، والمقامات السنيَّة من القرب والكرامات لأوليائه . { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } أي : حوامل آثار الأسماء والصفات الإلهية من مجردات العالم السفلي { وَٱلرُّوحُ } الفائض من لدنه سبحانه على هياكل الهويات من ماديات عالم الطبيعة ، والأركان القابلة لآثار العلويات من الأسماء والصفات المسمَّاة بالأعيان الثابتة { إِلَيْهِ } أي : إلى الذات البحث الخالص عن مطلق القيود والإضافات بعدما جذبه الحق ، وأدركته العناية الإلهية مترقياً من درجة إلى درجة { فِي يَوْمٍ } وشأن لا كأيام الدنيا وشئونها ، وإن قسته إلى أيام الدنيا ، وأضفتشه إلى المسافة الدنيَّة الدنيوية { كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] من سَني الدنيا ، إلاَّ أنهم يقطعونها بعد ورود الجذبة الإلهية ، كالبرق الخاطف في أقصر من لمحة وطرفة . وبعدما انكشف لك الأمر { فَٱصْبِرْ } يا أكمل الرسل على أذيات الأعداء واستهزائهم { صَبْراً جَمِيلاً } [ المعارج : 5 ] لا يشوبه قلق واضطراب ، وضجرة وسآمة ، واستعجال للانتقام ، وترقب بالعذاب على وجه التهتك ، فإنه سيصيب لهم العذاب الموعود عن قريب . { إِنَّهُمْ } بمقتضى إنكارهم وإصرارهم { يَرَوْنَهُ } أي : نزول العذاب { بَعِيداً } [ المعارج : 6 ] في غاية البعد إلى حيث يعتقدونه محالاً خارجاً عن حد الإمكان . { وَنَرَاهُ قَرِيباً } [ المعارج : 7 ] من لمح البصر ، بل هو أقرب منهم . اذكر لهم يا أكمل الرسل كيف يعملون { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ } من القهر الإلهي { كَٱلْمُهْلِ } [ المعارج : 8 ] أي : كالفضة المذابة ، يسيل من مكانها من غاية الخشية الإلهية . وتكون الجبال الملونة بالألوان المختلفة بعدما شمله النظر القهري الإلهي { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } [ المعارج : 9 ] أي : كالصوف المصبوغ المندوف تذروه الرياح حيث شاءت . { وَ } حينئذٍ { لاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } [ المعارج : 10 ] أي : لا يسأل قريب عن قريبه ، وصديق عن صديقه ، بل يومئذ { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } [ عبس : 34 - 35 ] . وبالجملة : لا يلتفت أحد إلى أحد من شدة هوله وشغله بحاله إلى حيث { يُبَصَّرُونَهُمْ } وينبهون عليهم من حال أقاربهم ؛ ليرقوا لهم ، وهم لا يتلفتون إليهم ولا يرقون لهم ، بل { يَوَدُّ } ويحب { ٱلْمُجْرِمُ } حينئذٍ متمنياً { لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } [ المعارج : 11 ] الذين هم أحب وأعز عليه من نفسه في دار الدنيا . { وَ } كيف لا يود أن يفتدي بأحب الناس إليه بعد بنيه { صَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ } [ المعارج : 12 ] ؟ ! { وَفَصِيلَتِهِ } أقاربه وعشائره { ٱلَّتِي } تؤؤيه ؛ أي : تضمه إلى نفسه وقت حلول الشدائد ونزول الملمات ، بل { تُؤْوِيهِ } [ المعارج : 13 ] . { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } يعني : بل يود ويرضى أن يفتدي عن نفسه جميع من في الأرض من الثقلين { ثُمَّ يُنجِيهِ } [ المعارج : 14 ] من عذاب ذلك اليوم الهائل . { كَلاَّ } وحاشا أن ينقذ وينجى المجرم بأمثال هذه الافتداءات من عذاب الله ، بل كل نفس رهينة بما كسبت { إِنَّهَا } أي : النار المسعرة التي اسمها { لَظَىٰ } [ المعارج : 15 ] أي : ذات لهب والتهاب تلتهب دائماً . { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } [ المعارج : 16 ] أي : تنزع من شدة التهابها الأطراف عن أماكنها ، سيما جلدة الوجه والرأس . وبالجملة : { تَدْعُواْ } وتجذب إلى نفسها { مَنْ أَدْبَرَ } عن الإيمان ، ولم يقبل عن قبول الدعوى { وَتَوَلَّىٰ } [ المعارج : 17 ] أي : انصرف عن الطاعة وإطاعة الدَّاعي . { وَ } مع ذلك { جَمَعَ } مالاً عظيماً من حطام الدنيا { فَأَوْعَىٰ } [ المعارج : 18 ] أي : فجعله في وعاء ، وكنزه من غاية حرصه وأمله ، ولم ينفق في سبيل الله ؛ لعدم وثوقه بكرم الله .