Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 1-10)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّآ } من قمام جودنا { أَرْسَلْنَا } أخاك يا أكمل الرسل { نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } حين انحرفوا عن جادة العدالة والقسط الإلهي ، ووصينا له { أَنْ أَنذِرْ } أي : بأن خوف وحذر { قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ نوح : 1 ] مؤلم في غاية الإيلام ، وهو عذاب الطوفان بعد نزول الوحي عليه . { قَالَ يٰقَوْمِ } أضافهم إلى نفسه وناداهم ؛ ليقبلوا إليه ، ويهتدوا بهدايته وإرشاده { إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ نوح : 2 ] ظاهر الإنذار والتخويف بإذن العليم الحكيم ، أرسلني ربي . { أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ } الواحد الأحد الصمد ، الحقيق بالألوهية والربوبية ، القادر على أنواع الإنعام والانتقام { وَٱتَّقُوهُ } عن ارتكاب محارمه ومنهياته { وَأَطِيعُونِ } [ نوح : 3 ] فيما بلغت لكم من أوامر الله ونواهيه ، وامتثلوا بمقتضاها . { يَغْفِرْ لَكُمْ } سبحاه { مِّن ذُنُوبِكُمْ } إن استغفرتم منه سبحانه ، وتبتم إليه مخلصين نادمين { وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ } أقصى { أَجَلٍ مُّسَمًّى } مقدر عنده سبحانه بشرط أن تتصفوا بالإيمان والعمل الصالح { إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ } المقدر لآجال عباده على مقتضى الحكمة المتقنة { إِذَا جَآءَ } على الوجه المقدر المقرر عنده { لاَ يُؤَخَّرُ } عن وقته ، ولا يقدم عليه { لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ نوح : 4 ] وتعتقدون حكمة الحكيم ، وكمال قدرته ومشيئته لعلمتم يقيناً أن الأجل المقدر لا يُبدل ولا يُغير . وبعدما بالغ نوح عليه السلام في دعوتهم وإرشادهم فلم يهتدوا ، بل ما زادوا إلاَّ إصراراً وإضراراً ، وعناداً واستكباراً { قَالَ } نوح مناجياً إلى ربه على وجه التضرع بعدما بالغوا في الإنكار والاستكبار : { رَبِّ } يا من ربَّاني على الرشد والهداية { إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي } بمقتضى وحيك وإلهامك عليَّ { لَيْلاً وَنَهَاراً } [ نوح : 5 ] أي : دائماً بلا مطل وتسويف . { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ } ودعوتي إياهم { إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 6 ] عن الإيمان والإطاعة وإصراراً على الكفكر والطغيان . { وَإِنِّي } صرت زماناً { كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ } على قصد أن يقبلوا دعوتي { لِتَغْفِرَ لَهُمْ } بمقتضى عفوك ورحمتك ذنوبهم وزلتهم { جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ } وقت دعوتي إياهم { فِيۤ آذَانِهِمْ } أي : سدّوا مسامعهم عن استماع الدعوة { وَ } مع ذلك لا يقتصر عليه ، بل { ٱسْتَغْشَوْاْ } أي : غطوا ولفوا على رءوسهم { ثِيَابَهُمْ } لئلا يروا صورتي ، ولا يسمعوا قولي من شدة كراهتهم عن دعوتي ، وشكيمتهم معي { وَ } بالجملة : { أَصَرُّواْ } على ما هم عليه كانوا { وَٱسْتَكْبَرُواْ } عليَّ { ٱسْتِكْبَاراً } [ نوح : 7 ] عظيماً إلى حيث شتموني شتماً قبيحاً ، وضربوني ضرباً مؤلماً فجيعاً . { ثُمَّ } بعدما جرى منهم ما جرى { إِنِّي دَعَوْتُهُمْ } بمقتضى أمرك وحكمك إياي يا ربّ { جِهَاراً } [ نوح : 8 ] على رءوس الملأ . { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ } وصرحت بدعوتهم { وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ } أيضاً في الخلوات { إِسْرَاراً } [ نوح : 9 ] على سبيل الكناية والإشارة ، وبالجملة : دعوتهم مرة بعد مرة ، وكرة بعد كرة في المحافظ والخلوات ، وبالصرائح والكنايات . { فَقُلْتُ } لهم في دعوتي إياهم : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } وتوبوا إليه { إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [ نوح : 10 ] يغفر لكم ذنبوكم ، ويعفو عنكم زلاتكم . وبعدما بالغوا في الإنكار والإصرار حبس الله عليهم القطر أربعين سنة ، وأعقم أرحام نسائهم ، فقال نوح : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [ نوح : 10 ] .