Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 14-22)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَنَّا } بعدما سمعنا الهدى والرشد ما كنا نؤمن ونهتدي جميعاً ، بل { مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } المنقادون لحكم الله ، وأوامره ونواهيه الواردة في كتابه ، المسلمون أمورهم كلها إليه سبحانه { وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } الجاهلون المائلون عن الهداية ، المنحرفون عن جادة العدالة الإلهية { فَمَنْ أَسْلَمَ } منَّا ، واعتدل وسلم { فَأُوْلَـٰئِكَ } المسلمِمون المسلِّمون { تَحَرَّوْاْ } واجتهدوا ففازوا { رَشَداً } [ الجن : 14 ] يوقظهم عن سِنة الغفلة ، ويوصلهم إلى فضاء الوحدة . { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ } الجائرون الحائرون في تيه الطغيان والكفران { فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ } البعد والخذلان ، وسعير الطرد والحرمان { حَطَباً } [ الجن : 15 ] توقد بهم النار ، كما توقد بعصاة الإنس وطغاتهم . ثمَّ قال سبحانه : { وَأَلَّوِ } أي : وأن الشأن والأمر أنه ؛ أي : الجن والإنس المجبولين على فطرة التكليف { ٱسْتَقَامُواْ } واعتدلوا { عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } أي : جادة المعرفة والتوحيد { لأَسْقَيْنَاهُم } تلطفاً لهم ، وترحماً عليهم { مَّآءً } محيياً لأراضي أجسامهم الميتة بسموم الإمكان ، وبحموم الأماني الصاعدة من نيران الطبيعة { غَدَقاً } [ الجن : 16 ] كثيراً إلى حيث يجعل لهم روضة من رياض الجنان . وإنما فعلنا معهم ذلك { لِّنَفْتِنَهُمْ } ونختبرهم { فِيهِ } أي : في التنعم والترفه ، كيف يشكرون للنعم ؟ وكيف يواظبون على أداء حقوق الكرم ؟ ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ويزيد عليها { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ } وينصرف عن طاعته وعبادته ، ويكفر بنعمه ، ولم يواظب بأداء حقوق كرمه { يَسْلُكْهُ } ويدخله { عَذَاباً صَعَداً } [ الجن : 17 ] يصعد عليه ، ويعلو فوقه ، وبالجملة : عذاباً شاقاً شديداً ، قاهراً عليه عالياً . ثمَّ قال سبحانه على سبيل التوجيه والتعليم لخُلَّص عباده المؤمنين ، والتوبيخ والتعريض للمشركين : { وَ } اعلموا أيها المكلفون من الثقلين { أَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ } المبنية ؛ للميل والتقرب نحو الحق مختصة { لِلَّهِ } خاصة خالصة { فَلاَ تَدْعُواْ } وتعبدوا فيها { مَعَ ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد ، المنزه عن الشريك والولد { أَحَداً } [ الجن : 18 ] عن مظاهره ومربوباته . { وَ } بعدما علمتم هذا بتعليم الله إياكم اعلموا { أَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ } أي : النبي المؤيَّد من عنده سبحانه بأنواع العناية والكرامة المستلزمة لأنواع العبادة والإطاعة في المسجد الحرام المعدّ ؛ لعباده العليم العلاَّم ، القدوس السلام { يَدْعُوهُ } ويعبده ، ويتذلل نحوه { كَادُواْ } وقاربوا مشركي الجن والإنس { يَكُونُونَ عَلَيْهِ } ويزدحمون حوله متعجبين { لِبَداً } [ الجن : 19 ] متراكمين ، كلبدة الأسد ، وهو مستغرق في صلاته بلا التفات منه إليهم إلى أن أوحى إليه بما هم عليه من التعجب والتحير من أمرهم . فقيل له من قِبَل الحق : { قُلْ } يا أكمل الرسل للمزدحمين المتعجبين : { إِنَّمَآ أَدْعُواْ } وأعبد { رَبِّي } الذي ربَّاني على كمال المعرفة والإيقان ، وأرسلني أن أدعو عموم المكلفين إلى توحيده { وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ } ومعه { أَحَداً } [ الجن : 20 ] من مظاهره ومصنوعاته . فإن قالوا : هل لك أن تشاركنا معك في عبادتك وخضوعك ؟ { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل : { إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ } من تلقاء نفسي { ضَرّاً } يضركم به ويعذبكم إن أردت إضراركم وتعذيبكم { وَلاَ رَشَداً } [ الجن : 21 ] يرشدكم به ويهديكم إن أردت هدياتكم ورشادكم ، بل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً ، فكيف لكم ؟ ! بل ما { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } [ الأنعام : 50 ] والأمر بيد الله العليم الحكيم . فإن قالوا : ما فائدة عبادتك وتخصيصها أياه ؟ { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل : لمَ لمْ أعبد ربي ، ولم أخصصه بالعبادة ، مع { إِنِّي } أعلم منه سبحانه أنه { لَن يُجِيرَنِي } ويحفظني ويمنعني { مِنَ } عذاب { ٱللَّهِ } المنتقم الغيور { أَحَدٌ } من مظاهره ، لو أراد عذابي { وَلَنْ أَجِدَ } أبداً { مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } [ الجن : 22 ] ملجأً وملاذاً ينقذني من بطشه وعذابه ، لو جرى مشيئته سبحانه على تعذيبي ؟ ! وبالجملة : لا أملك لكم ، ولا لنفسي ضراً ولا نفعاً .