Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 48-56)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبالجملة : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] حين أُخذوا بظلمهم ، لو شفَّعوا لهم جميعاً . { فَمَا لَهُمْ } وأيّ شيء عرض لهم ولحق بهم ، مع أنهم مجبولون على فطرة التوحيد واليقين ، حتى صاروا { عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ } التي هي آيات القرآن المبيِّنة لسرائر التوحيد والعرفان { مُعْرِضِينَ } [ المدثر : 49 ] منصرفين على سبيل الإنكار والاستكبار . وبالجملة : { كَأَنَّهُمْ } في هذا الإعراض والنفرة المتفرعة لغاية السخافة ، ونهاية البلادة { حُمُرٌ } هي مثل في البلادة المتناهية { مُّسْتَنفِرَةٌ } [ المدثر : 50 ] من شدة رعبها وخوفها . سيما حين { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } [ المدثر : 51 ] أشد صائل عليها ، شبَّه نفرتهم عن التذكر بآيات القرآن حسداً وحميةً جاهليةً بالحُمُر المستنفرة من الأسد ، والجامع بينهما ، البلادة المتناهية ، بل هم أسوأ حالاً من الحُمُر ؛ إذ الحُمُر فرت من العدو ؛ خوفاً من ضرره ، وهؤلاء فروا من الحق المشفق ، النافع لهم نفعاً صورياً ومعنوياً ، وما حملهم وأوقعهم على فتنة الاستنفار والاستنكاف إلاَّ حميتهم وغيرتهم الجاهلية ، بأن لم يؤمنوا بما نزل على غيرهم . { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ } له من قِبَل الحق { صُحُفاً } قراطيس مدونة { مُّنَشَّرَةً } [ المدثر : 52 ] تنشر وقت القراءة ، ثمَّ تُطوى ، كالصكوك والسجلات ؛ لذلك قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لن نتبعك حتى تأتي كلاًّ منَّا بكتاب من السماء مكتوب فيها : من الله إلى فلان ، اتَّبع محمداً ، فإنه نبي صادق . ثمَّ قال سبحانه : { كَلاَّ } ردّاً عليهم ، وردعاً لهم عن الإعراض عن الإيمان والتذكر ، لا عن امتناع المقترح ، فإنه لا يستحيل على الله شيء ، لو تعلق به مشيئتهم { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } [ المدثر : 53 ] ولم يؤمنوا لها ؛ لذلك أعرضوا عن التكذرة . { كَلاَّ } أي : كيف يتأتى لهم الإعراض عن التذكرة { إِنَّهُ } أي : القرآن : { تَذْكِرَةٌ } [ المدثر : 54 ] وأيّ تذكرة وتبصرة ؟ ! { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } [ المدثر : 55 ] أي : أيّ شيء اتعظ وتذكر به فقد هدى واهتدى إلى الله . { وَ } غاية ما في الباب : إنه { مَا يَذْكُرُونَ } ويتذكرون به { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } تذكّرهم وهدايتهم ؛ إذ أفعال العباد كلها مستندة إليه سبحانه ، مخلوقة له ، وكيف لا يفوَّض إلى مشيئته سبحانه عموم أمور العباد ، مع أنه { هُوَ } بذاته ، ومقتضى أسمائه وصفاته { أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ } وأحق من أن يتقى من انتقامه وقهره ؛ إذ هو المقتدر على وجوه الانتقام { وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } [ المدثر : 56 ] حقيق بأن يُرحى منه العفو والغفران ، سيما على المتقين المستغفرين ؛ إذ هو المقتدر بالاستقلال على عموم الإنعام والانتقام ، والإكرام ؟ ! جعلنا الله من زمرة أهل التقوى والمغفرة بمنِّه وجوده . خاتمة السورة عليك أيها المريد المحقق ، المتحقق بسر سريان الوحدة الذاتية في عموم المظاهر ، وباستقلال الوجود في عموم الآثار الظاهرة في الأنفس والآفاق أن تذعن وتعرف أن جميع الأفعال الجارية في عالم الغيب والشهادة إنما هي مستندة إليه سبحانه ، صادرة عنه أصالةً وفق الإرادة والاختيار ، وإنما أظهرها سبحانه في مظاهر أسمائه ، وملابس صفاته إظهاراً لكمال قدرته ، ومتانة حكمته ، وإحاطة علمه وإرادته ، وعجائب صنعه وصنعته . فلك أن تعتقدها على الوجه المذكور ، وتجزم بها علماً إلى أن يصير علمك عيناً ، وعينك حقاً ، وليس وراء الله مرمى ومنتهى . وفقنا بما أنت تحتب منَّا وترضى يا مولانا .