Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 32-47)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَلاَّ } وحاشا أن يتذكر بها هؤلاء الحمقى ، إلاَّ من وفقه الحق ، وأدركته العناية من جانبه { وَ } حق { ٱلْقَمَرِ } [ المدثر : 32 ] المنير . { وَٱللَّيْلِ } المظلم ، وكيفية تصاريف القمر المضيء في ظلمة الليل ، وانمحاء نوره { إِذْ أَدْبَرَ } [ المدثر : 33 ] أي : ولى واصنرف ذاهباً ؛ يعني بالقمر : نور الإيمان المشرق في الليل الذي هو عبارة عن ظلمة عالم الكون والفساد المترتب على التعينات العدمية الحاصلة من انعكاس شمس الذات . { وَٱلصُّبْحِ } الذي هو ظهور نور الوجود ، وطلوع شمس الذات الأحدية التي انمحت وفنيت { إِذَآ أَسْفَرَ } [ المدثر : 34 ] أي : أضاء وأشرق أضلال التعينات بالمرة ، وانتثرت كواكب الهويات ، وانطفأت شهب العكوس ، واضمحلت مطلق الإضافات . { إِنَّهَا } أي : سقر الطرد والحرمان ، وسعير الزجر والخذلان ، والخزنة المعدودين الموكلين عليها بقدرة الله { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } [ المدثر : 35 ] أي : إحدى البلايا والمصيبات الكبار النازلة لأصحاب الضلال بمقتضى القهر الإلهي وجلاله . وإنما أنزلنا في كتابه ، وأخبرنا عنها ؛ لتكون { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } [ المدثر : 36 ] ينذرهم ويحذرهم عن حر سقر . { لِمَن شَآءَ } وأراد سبحانه { مِنكُمْ } أيها المكلفون المجبولون على الهداية والضلال { أَن يَتَقَدَّمَ } بالإيمان والأعمال الصالحة ، وفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، فيهتدي بطريق النجاة منها { أَوْ يَتَأَخَّرَ } [ المدثر : 37 ] بالكفر ، وارتكاب المناهي والمنكرات ، وفعل المحرمات ، فوقع فيها وازدجر . وبالجملة : { كُلُّ نَفْسٍ } من النفوس الخيرة { بِمَا كَسَبَتْ } واقترفت { رَهِينَةٌ } [ المدثر : 38 ] مرهونة مرتهنة عند الله بكسبها ، فكسبها إن كان لأجل الدنيا وما يترتب عليها من اللذات والشهوات البهيمية ، والوهمية والخيالية من الجاه والثروة ، والاستكبار والاستعظام بالأموال والأولاد ، ترتب عليها أنواع العقوبات والمصيبات ، وإن كان لأجل الآخرة من الإيمان والإسلام ، وصوالح الأعمال ، وارتكاب المتاعب والمشاق في طريق الحق وتوحيده ، ترتب عليه أصناف المثوبات ، وأنواع الكرامات والدرجات العليَّة ، والمقامات السنيَّة من اللذات الروحانية . { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } [ المدثر : 39 ] وهم الطائرون إلى الله ، السائرون نحوه ؛ لإفناء هوياتهم في هوية الحق ، المنخلعون عن لوازم عالم الناسوت بالمرة ، المتخلعون بخلع عالم اللاهوت . والمتمكنون { فِي جَنَّاتٍ } ومنتزهات موصوفة بما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ومن كمال تمكنهم وتقررهم في مقر الوحدة { يَتَسَآءَلُونَ } [ المدثر : 40 ] . ويسألون { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ المدثر : 41 ] . على سبيل التعجب والاستبعاد : { مَا سَلَكَكُمْ } وأدخلكم { فِي سَقَرَ } [ المدثر : 42 ] الإمكان ، وجحيم الطرد والخذلان ؟ ! { قَالُواْ } أي : المجرمون في جوابهم متحسرين متأسفين : { لَمْ نَكُ } في دار الاختبار ونشأة الاعتبار { مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } [ المدثر : 43 ] المتوجهين نحو الحق في الأوقات المكتوبة علينا . { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } [ المدثر : 44 ] على متقضى الأمر الإلهي عطفاً ولطفاً . { وَ } مع ذلك { كُنَّا نَخُوضُ } ونشرع في الباطل ونروجه ، ونترك الحق ونهمله { مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } [ المدثر : 45 ] الشارعين المزوِّرين ، المروِّجين عناداً ومكابرةً . { وَ } أعظم من الكل : إنا { كُنَّا } من نهاية جهلنا وغفلتنا { نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } [ المدثر : 46 ] أي : بوقوع الطامة الكبرى وقيام الساعة ، مقتفين أثر الضالين المضلين ، مستظهرين بالآلهة الباطلة ، مغترين بشفاعتهم العاطلة لدى الحاجة ، وبالجملة : كنَّا مصرين على ما كنَّا عليه . { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } [ المدثر : 47 ] وحلَّ علينا الأجل ، وظهرت مقدماته ، وانقرضت نشأة الاخيبار .