Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 24-31)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما سمعت ما سمعت من الكرامة والتعظيم { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } ولا تستعجل في نصرتك وظهورك على عموم أعدائك من جنود أهل التقليد والضلال ، سيما كفار مكة ، خذلهم الله . { وَ } بعدما كوشفت بحقية الحق ، ووحدته واستقلاله في الوجود ومطلق الآثار { لاَ تُطِعْ مِنْهُمْ } أي : من أهل التقليد وأصحاب الضلال أحداً سواءً كان { ءَاثِماً } متناهياً في الفسوق والعصيان ، بحيث ينتهي إثمه إلى الكفر { أَوْ كَفُوراً } [ الإنسان : 24 ] لنعم الله ، مبالغاً في كفران نعمه ونسيان كرمه ، بحيث ينتهي كفرانه إلى الكفر ، أعاذنا الله وعموم عباده منهما . { وَ } بعدما تحققت بمقام الكشف والشهود { ٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الإنسا : 25 ] أي : في عموم أوقاتك وحالاتك ، وداوم على ذلك . { وَمِنَ ٱللَّيْلِ } الموضوع ؛ للخلوة مع الله ، ودوام المراقبة معه { فَٱسْجُدْ لَهُ } وتوجه نحوه توجهاً خالصاً ، مقارناً بكمال الخضوع والخشوع ، والتذلل التام { وَسَبِّحْهُ } أي : نزه ذاته عن جميع ما لا يليق بشأنه { لَيْلاً } أي : في خلاله تسبيحاً { طَوِيلاً } [ الإنسان : 26 ] خالياً عن مطلق الشواغل ، فارغ البال عن تشتت الآمال ، هكذا دأب أصحاب الكمال ، وديدنة أصحاب الوجد . والحال { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ } أي : أصحاب الضلال المنحرفين عن جادة الاعتدال { يُحِبُّونَ } اللذة { ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ } أي : يتركون أمامهم وخلفهم بلا مبالاة لهم { يَوْماً ثَقِيلاً } [ الإنسان : 27 ] شديداً ، يشتد الأمر فيه عليهم ويصعب ، ومع ذلك ينكرون له ويكذبونه . وكيف يذرونه وينكرونه ، مع أنَّا نخبر به ، ونأمر بتصديقه ؛ إذ { نَّحْنُ } بمقتضى قدرتنا { خَلَقْنَاهُمْ } وقدرنا وجودهم أولاً من أهون الأشياء ، وأخسها وأرذلها { وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } أي : عدلنا أركانهم وجوارحهم ، وأحكمنا مفاصلهم وأوصالهم ، وبالجملة : سويناهم أشخاصاً قوابل للتكليف ؛ ليترتب عليهم الإيمان والتصديق بجميع المعتقدات الدينية { وَ } بعدما لم يؤمنوا ، ولم يصدقوا عناداً وكابرةً { إِذَا شِئْنَا } وعلق مشيئتنا على إهلاكهم واستئصالهم أهلكناهم واستأصلناهم ، و { بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ } في الخلقة وجميع لوازمها { تَبْدِيلاً } [ الإنسان : 28 ] حسناً ، بحيث يكون المبدل خيراً ، وأحسن وأكمل من المبدل منه . وبالجملة : { إِنَّ هَـٰذِهِ } الآيات الدالة على تهذيب الأخلاق والأطوار { تَذْكِرَةٌ } ناشئة من قِبَل الحق { فَمَن شَآءَ } أن يتعظ به ، أو يتذكر بما فيها { ٱتَّخَذَ } أولاً { إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الإنسان : 29 ] يعني : شرع في مسالك القرب والوصول إلى الله ، فتقرب نحوه بالمعاملات ، ثمَّ بالأحوال والمقامات ، ثمَّ بالمعارف والحقائق المنتهية إلى المكاشفات والمشاهدات المؤدية إلى الوصول والنهايات ، وليس وراء الله مرمى ومنتهى . { وَ } لكن { مَا تَشَآءُونَ } أيها المتقربون إلى الله ، السائرون نحوه حسب التوفيق والتيسير الإلهي { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } الموفق لهم ، الموجد المقدر لعموم أفعالهم وأعمالهم ، المنجي لهم عن غياهب الإمكان ، وظلمَّات الخيالات والأوهام { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على استعدادات عباده { كَانَ عَلِيماً } بقابلياتهم اللائقة لفيضان الكشف والشهود { حَكِيماً } [ الإنسان : 30 ] في تربيتهم وتكميلهم . { يُدْخِلُ } بمقتضى هدايته ولطفه { مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } التي هي سبعة وحدته { وَ } لكن { ٱلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية ، المحرومين عن نظر العناية والتوفيق مطلقاً { أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الإنسان : 31 ] لا عذاب أشد منه إيلاماً ، وأفزع انتقاماً ، وهو حرمانهم عن ساحة عز القبول ، نعوذ بك يا ذا القوة المتين . خاتمة السورة عليك أيها المريد المترصد لمشيئة الله وتيسيره - وفقك الله على ما أملك ، وأعانك على إنجاحه - أن نفرغ همك ، وتخلي قلبك عن الالتفات إلى الدينا معرضاً عن آمالها وأمانيها ، متوجهاً إلى الآخرة وما فيها ، متعرضاً لنفحات الحق ، مستنشقاً من روائح روحه ورحمته ، راجياً من سعة لطفه وجوده أن ييسر لك ، ويوفقك في عموم أوقاتك وحالاتك على ما هو خير لك في أولاك وأخراك ، ويدفع عنك شرور بشريتك ، ومقتضيات بهيميتك وقواك . وبالجملة : فاتخذه وكيلاً ، وثق إليه ، واجعله حسيباً وكفيلاً ؛ إذ هو أعلم بما ينبغي لك منك ، ويليق بحالك ، فلك التفويض والتكلان ، والأمر بيد الله الحكيم المستعان .