Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 15-23)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } لتكميل ترفههم وتنعمهم { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ } متخذة { مِّن فِضَّةٍ } أي : من فضة عقائدهم الصافية البيضاء ، الشفافة الخالصة عن مطلق الكدورات { وَأَكْوابٍ } أبارق وكيزان لا عروة من شدة صفائها وجلائها ، كأنها { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } [ الإنسان : 15 ] في الرقة . وأية قوارير { قَوَارِيرَاْ } متخذة { مِن فِضَّةٍ } من غاية صفائها وشفافها لا يُرى لها لون ولا كون ، بحيث اشتبه أمرها عند الرائي ؛ لذلك { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } [ الإنسان : 16 ] بمقتضى ما راعوا في الاعتدال في الأطوار والأخلاق . { وَيُسْقَوْنَ } هؤلاء المقربون { فِيهَا } أي : في تلك الأواني والأكواب { كَأْساً } خمراً من خمور المحبة والمودة { كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } [ الإنسان : 17 ] أي : كالزنجبيل في المساغ وسرعة الانحدار . يعني : { عَيْناً فِيهَا } جارية بماء الحياة الأزلية الأبدية السرمدية { تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } [ الإنسان : 18 ] لهدايتها وإرشادها إلى مشرب التوحيد ، وبحر الوحدة الذاتية ، كأنها تلقى وتلقن تلك العين المترشحة من بحر الحياة الأزلية الأبدية لأرباب العناية بقولها : سل أيها الطالب الحائر في بيداء الطلب سبيلاً إلى الوحدة الحقيقية الحقيَّة . { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ } تأنيساً لهم وتصحيباً { وِلْدَانٌ } حسان ، مصورون من أعمالهم وأحوالهم { مُّخَلَّدُونَ } دائمون على صباحتهم وحسنهم ، بحيث { إِذَا رَأَيْتَهُمْ } إيها المعتبر الرائي { حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } [ الإنسان : 19 ] من صفاء ألوانهم ، ومقبولية هيكالهم ، وصباحة خدهم ، ورشاقة قدَّهم ، وانعكاس أشعة وجوههم من كمال اللطافة والطراوة والصفاء المفرط . { وَ } بالجملة : { إِذَا رَأَيْتَ } أيها المعتبر الرائي { ثَمَّ } أي : في الجنة { رَأَيْتَ } ما رأيت ، وما أدراك ما رأيت ، رأيت { نَعِيماً } وأيّ نعيم ، نعيماً لا يكتنه غوره وطوره { وَمُلْكاً } وأيّ ملك ، ملكاً { كَبِيراً } [ الإنسان : 20 ] وسيعاً فسيحاً ، لا يدرك وسعته وقدره ، ولا يكتنه طوره وغوره . ومع ذلك { عَالِيَهُمْ } أي : يعلو عليهم فيها تعظيماً لهم تكريماً { ثِيَابُ سُندُسٍ } رقيق من الديباج { خُضْرٌ } على لون الحياة ؛ لأن حياتهم فيها سرمدية { وَإِسْتَبْرَقٌ } غليظ منه كذلك { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ } متخذة { مِن فِضَّةٍ } تميماً لتنعمهم وترفههم فيها { وَ } بالجملة : { سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ } بعدما تمكنوا في مقعد الصدق عند المليك المقتدر { شَرَاباً } من كأس المحبة ، ورحيق التوحيد والتحقيق { طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] خالياً خالصاً عن شوب الثنوية ، وشين الكثرة مطلقاً ، فسكروا منه ، ولم يصحوا أبداً . ثمَّ قيل لهم من قِبَل الحق : { إِنَّ هَـٰذَا } التي فزتم عليه الآن { كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } موعوداً في مقابلة أعمالكم وأخلاقكم ، وأحوالكم ومعارفكم ، ومواجدكم التي أنتم عليها في النشأة الأولى { وَكَانَ سَعْيُكُم } الذي كنتم عليه في نشأة الأختبار { مَّشْكُوراً } [ الإنسان : 22 ] مجازاً عليه ، غير مضيع مع زيادات منَّا عليكم تفضلاً وامتناناً . ثمَّ لمَّا جمع سبحانه جميع الفضائل والكمالات ، وعموم المعارف والمشاهدات والمكاشفات اللدنية في المرتبة الجامعة الختمية المحمدية ، المحيطة على عموم المراتب والمناصب ، خاطبهم سبحانه خطاب امتنان ورحمة على وجه التعطف والتلطف فقال : { إِنَّا } بمقتضى فضلنا وجودنا { نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ } يا أكمل الرسل تأييداً لك ، وتعظيماً لشأنك { ٱلْقُرْآنَ } الحاوي لما في الكتب السالفة ، المحتوي لجميع الكمالات اللائقة لعموم الأنبياء والرسل ، المجتازين في سبيل التوحيد { تَنزِيلاً } [ الإنسان : 23 ] مفرقاً منجماً على مقتضى الحكمة البالغة الباعثة على إنزالها حسب حاجتك إليها ، وانكشافك بما فيها ؛ لتتدرج في سلوكك وشهودك .