Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-19)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } حق { ٱلْمُرْسَلاَتِ } أي : رياح الجذبات المهبة من قِبَل عالم اللاهوت ؛ لاسترواح أرواح سكان عالم الناسوت وأشباحهم { عُرْفاً } [ المرسلات : 1 ] للتعارف والائتلاف الواقع بينهم بحسب الحقيقة . { فَٱلْعَاصِفَاتِ } النازعات ملابس الناسوت ، وثياب الإمكان عن أرواح المحبين المنجذبين نحو الحق { عَصْفاً } [ المرسلات : 2 ] سريعاً شديداً تخليصاً لهم عن سجن الطبيعة تفريجاً وترويجاً . { وٱلنَّاشِرَاتِ } المنتشرات على أرض استعدادات أرباب الطلب والإرادات المتوجهين نحو الحق بعزيمة خالصة { نَشْراً } [ المرسلات : 3 ] ليناً هيناً ، بحيث يوقظهم عن نوم الغفلة ، ويخلصهم عن مضيق الضلال ، ويرشدهم إلى فضاء الوصال . { فَٱلْفَارِقَاتِ } الواصلات إلى بقعة الإمكان من قِبَل الرحمن ؛ ليفصلن ويفرقن لساكنيها بين الحق والباطل ، والحرام والحلال ، والهداية والضلال الواقعة في سلوط طريق الحق ، وسبيل توحيده { فَرْقاً } [ المرسلات : 4 ] بيناً واضحاً ؛ ليتنبهوا إلى مبدئهم ومعادهم . { فَٱلْمُلْقِيَٰتِ } الملقنات لحوامل أثقال الطبيعة والأركان ، المسجونين في سجن الإمكان ، المقيدين بسلاسل الزمان ، وأغلال المكان { ذِكْراً } [ المرسلات : 5 ] حسناً من عالم اللاهوت ، يجرونه على ألسنتهم ؛ لعلهم يتذكرون بها مبدأهم الأصلي ، ومنشأهم الحقيقي . ليكون لهم ذكرهم هذا { عُذْراً } يزيل ويمحو سيئات عالم الناسوت ، وآثام لوازم بقعة الإمكان بعدما تنبهوا بها إلى عالم اللاهوت ، طرقوا نحوه مهاجرين من بقعة الناسوت { أَوْ نُذْراً } [ المرسلات : 6 ] ينذرهم عن نيران الإمكان ، وسعير الطرد والخذلان بعدما تذكروا نعيم عالم اللاهوت ، وفضاء الجبروت . يعني : وبحق هذه المقسمات العظام ، المكرمات عند الله { إِنَّمَا تُوعَدُونَ } أيها المكلفون من قِبَل الحق في يوم العرض والجزاء { لَوَٰقِعٌ } [ المرسلات : 7 ] محقق وقعه وثبوته بلا ريب وتردد . وبعدما وقعت الواقعة ، وقامت القيامة { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ } أي : الهويات المترتبة في عالم الكون والفساد { طُمِسَتْ } [ المرسلات : 8 ] انمحقت وانمحت ، وغابت وتلاشت عند ظهور شمس الذات . { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ } أي : نظام عالم الكون والفساد { فُرِجَتْ } [ المرسلات : 9 ] وانفصمت وتلاشت . { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ } الرواسي التي هي أوتاد الأرض ، وهي في الحقيقة عبارة عن الهياكل المحسوسة في عالم الكون والفساد { نُسِفَتْ } [ المرسلات : 10 ] قلعت عن أماكنها ، ثمَّ ذريت برياح الفناء . { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ } المبعوثون ؛ للإرشاد والتكميل ، والإشهاد على صلاح العباد وسدادهم { أُقِّتَتْ } [ المرسلات : 11 ] ووُقِّتَت ؛ أي : غُيِّن لهم وقت الشهادة على أممهم بعدما أبهم عليهم وقتها في النشأة الأولى . كأنه قيل لهم من قِبَل الحق : { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } [ المرسلات : 12 ] وأُخرت شهادتهم ؟ . وأجيب أيضاً من جانبه سبحانه : { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } [ المرسلات : 13 ] . { وَمَآ أَدْرَاكَ } وأعلمك يا أكمل الرسل { مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } [ المرسلات : 14 ] ؟ أبهمه سبحانه تهويلاً وتفخيماً . وبالجملة : { وَيْلٌ } وهلاك مؤيد مستمر { يَوْمَئِذٍ } أي : في يوم الفصل { لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 15 ] به ، المنكرين له في النشأة الأولى ، سيما بعد إخبار الرسل والكتب ، وكيف يكذبونه وينكرون عليه أولئك الضالون المكذبون ، مع أنهم قد سمعوا حال المكذبين المنكرين المَّاضين ؟ ! { أَلَمْ نُهْلِكِ } المكذبين { ٱلأَوَّلِينَ } [ المرسلات : 16 ] كقوم نوح وعاد وثمَّود ، ولم نستأصلهم ؛ بسبب إنكارهم المنكرين المَّاضين ؟ ! { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } [ المرسلات : 17 ] أي : نحن نُتبع ونُعقّب إهلاك الأولين بإهلاك الآخرين ، كقوم شعيب وموسى وعيسى ، وغيرهم أيضاً ؛ بسبب تكذيب هذا اليوم ، وتكذيب من أخبر به من الكتب والرسل . وبالجملة : { كَذَلِكَ } أي : مثلما فعلنا بالمكذبين السابقين ، والآخرين اللاحقين { نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } [ المرسلات : 18 ] أي : بعموم هؤلاء المجرمين الحاضرين ، المكذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآياته النازلة عليه . لذلك { وَيْلٌ } عظيم { يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 19 ] .