Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 35-50)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما سقاهم الخزنة إليها بالزجر التام ، والعنف المفرط ، فأخذوا يطرحونهم إليها مهانين صاغرين ، وهم يتضرعون صائحين فزعين ، قيل لهم حينئذٍ { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } [ المرسلات : 35 ] إذ نطقهم كاللانطق في عالم الدفع والنفع . { وَلاَ يُؤْذَنُ } حينئذٍ { لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 36 ] إذ لا يُسمع منهم العذر ؛ لانقضاء نشأة التلافي والتدارك بالأعذار والتوبة . وبالجملة : { وَيْلٌ } عظيم { يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 37 ] وأيّ ويل ، ويل لا يكتنه غوره وطوره ، وشدة هوله . ثمَّ قال لهم سبحانه حينئذٍ توبيخاً وتقريعاً : { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } بين المحق والمبطل ، والمسيء والمحسن { جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } [ المرسلات : 38 ] أي : جمعنا الآخرين والأولين ، والسابقين واللاحقين فيه . { فَإِن كَانَ لَكمُ } أيها المكلَّفون { كَيْدٌ } ومكر تقاومون به معي ، وتدفعون به عنكم عذابي { فَكِيدُونِ } [ المرسلات : 39 ] وامكروني إن استطعتم . وإلاَّ { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 40 ] حتماً ؛ لأنه من أين يتأتى بينهم المكر والكيد ، والحيلة والخداع مع الله في التخلص من العذاب ، سيما في تلك الحالة ؟ ! وبالجملة : سوقوا نحو النار ، وطُرحوا فيها مهانين ، وعُذبوا بها صاغرين خالدين . ثمَّ أردف سبحانه وعيد المكذبين بوعد المصدقين فقال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } من الشرك والمعاصي ، المصدقين بيوم الدين مستغرقون يومئذٍ في أنواع التنعم والترفه { فِي ظِلاَلٍ } ممدودة في ظلال البساتين { وَعُيُونٍ } [ المرسلات : 41 ] جارية فيها . { وَفَوَاكِهَ } كثيرة { مِمَّا يَشْتَهُونَ } [ المرسلات : 42 ] . ويقال لهم حينئذٍ تلطفاً وتكريماً : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً } لكم مريئاً { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ المرسلات : 43 ] من الأعمال الصالحة ، والأخلاق المرضية المثمرة لتلك الحالات العليَّة والمقامات السنيَّة . { إِنَّا كَذَلِكَ } أي : مثل ما أنتم عليه من الترفه والتنعم { نَجْزِي } عموم { ٱلْمُحْسِنِينَ } [ المرسلين : 44 ] المخلصين في الأعمال والأخلاق ، الراضين بما جرى عليهم من مقتضيات القضاء . وبالجملة : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 45 ] لكم هذا النعيم المقيم ، ولهم ذاك العذاب الأليم . ثمَّ قيل للمكذبين من قِبَل الحق زجراً عليهم ، وتوبيخاً لهم بما اختاروا اللذة الفانية على اللذة الباقية على سبيل الفرض والتقدير ، كأنهم أُمروا به في النشأة الأولى : { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ } بالأمتعة الدنيوية زمناً { قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } [ المرسلات : 46 ] بالجرائم العظيمة ، مؤاخذون عليها في النشأة الأخرى بشؤم تكذيبكم بما أُمرتم بتصديقهز وبالجملة : { وَيْلٌ } عظيم { يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 47 ] إذ عرضوا أنفسهم على العذاب المؤبَّد المخلَّد . { وَ } كيف لا يؤاخذون أولئك المعاندون المكابرون ، كانوا من كمال اسكتبارهم وعتوهم { إذَا قِيلَ لَهُمُ } إمحاضاً للنصح : { ٱرْكَعُواْ } تواضعوا لأمر الله ، واخضعوا لحكمه ، وانقادوا وصلوا نحوه متذللين { لاَ يَرْكَعُونَ } [ المرسلات : 48 ] من غاية استكبارهم واستعظامهم ، ولا يمتثلون لحكم الله وأمر رسوله ، ولا يطيعون لهم تعنتاً وعناداً ، بل يكذبونهم ويستهزئون معهم ؟ ! لذلك يحل عليهم { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 49 ] المستهزئين مع رسل الله ، الظاهرين عليهم بالإشارة والاستكبار ، المتكبرين بما نزل عليهم من الكتب المبيِّنة لمعالم الدين ، ومراسم التوحيد واليقين . وبعدما لم يؤمنوا بهذا الكتاب المبين المبيِّن لطريق الحق ، ومنهج الصدق والصواب { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ } أي : بعد القرآن { يُؤْمِنُونَ } [ المرسلات : 50 ] أولئك المنكرون المعاندون المسرفون ؟ ! جعلنا الله ممن آمن به ، وامتثل بما فيهن وتفطن برموزه وإشاراته بمنِّه وجوده . خاتمة السورة عليك أيها الموحد المحمدي ، القاصد لسلوك طريق الهداية والتوفيق ، العازم على التحقق والتمكن في مقعد صدق التوحيد والتحقيق - يسَّر الله عليك مبتغاك - أن تتمسك بحبل المتين القرآني ، و تتشبث بأذيال هدايته وإرشاده ، وتمتثل بما فيه من الأوامر والنواهي والأحكام الموردة فيه ، وتتفطن بما رمز له ، وأُشير إليه من المعارف والحقائق المصفِّية لسرك على الالتفات إلى ما سوى الحق ، المعدَّة لقلبك لفيضان الكشف والشهود ، فلك أن تتبتل على الله حسب استعدادك ، وتتخلق بالأخلاق المحمدية التي هي القرآن . والتوفيق بيد الله ، والهداية عنده ، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .