Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 1-16)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ عَمَّ } يعني : عن ما ، وعن أيّ شيء وأمر { يَتَسَآءَلُونَ } [ النبأ : 1 ] ويتقاولون فيما بينهم مراءً ومجادلةً ؟ . { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ * ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } [ النبأ : 2 - 3 ] أي : يختلفون في قام الساعة الموعودة ؛ لتنقيد أعمال العباد ، والجزاء عليهم على وفقها ، مع أن أمره أظهر من أن يشك فيه ويسأل عنه ، ويستهزأ به ، ويختلف فيه وفي وقوعه . { كَلاَّ } أي : من أين يتأتى لهم إنكاره والتساؤل فيه على وجه المراء ، مع أنهم { سَيَعْلَمُونَ } [ النبأ : 4 ] عن قريب ، بل قربه كلمح البصر ، بل هو أقرب ؟ ! { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [ النبأ : 5 ] حين ألم عليهم بغتة ، وهم لا يشعرون . وبالجملة : من أين يتأتى لهم إنكار يوم البعث والجزاء ، هل ينكرون قدرتنا الكاملة على أمثاله ؟ ! { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } [ النبأ : 6 ] لهم ، ممهدة مبسوطة ، ينتشرون عليه ويستريحون ؟ ! { وَ } لم نجعل { ٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } [ النبأ : 7 ] عليها تقريراً لها وتثبيتاً . { وَخَلَقْنَاكُمْ } أي : قدَّرنا أشباحكم أيها المكلفون { أَزْوَاجاً } [ النبأ : 8 ] أصنافاً ذكراً وأنثى ؛ لتتأنسوا وتناسلوا ؟ ! { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ } في الليالي { سُبَاتاً } [ النبأ : 9 ] قطعاً عن الإحساس والحركة ؛ ليحصل إرخاء الأعصاب والعضلات ؛ لتستريحوا ، وزالت كلا القوى وفتورها فتشتد بالاستراحة ، وتشتغل بأفعالها في النهار بجرأة تامة ، وقوة كاملة . { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ } لكم { لِبَاساً } [ النبأ : 10 ] غطاءً وغشاءً تستترون فيه ، وتختفون به فيما فيه الإخفاء مطلوبكم . { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } [ النبأ : 11 ] وقتاً تطلبون فيه ما تعيشون من حوائجكم ومطعوماتكم وملبوساتكم . { وَبَنَيْنَا } بكمال قدرتنا ، ومتانة حكمتنا { فَوْقَكُمْ سَبْعاً } سبع سماوات طباقاً { شِدَاداً } [ النبأ : 12 ] أقوياء محكمات ، مستحكمات لا يتأثرن بمر الدهور ، وكر الإعصار كسائر الأبنية . { وَجَعَلْنَا } في خلالها { سِرَاجاً } مضيئاً متلألئ ، مشتعشعاً { وَهَّاجاً } [ النبأ : 13 ] حاراً سخيناً في غاية السخونة عند الانعكاس ؛ لتنضج ما تحتاجون إليه في أمور معاشكم . { وَأَنزَلْنَا } أيضاً تتميماً لتربيتكم ، وترتيب معيشتكم { مِنَ } السحب { ٱلْمُعْصِرَاتِ } بالرياح { مَآءً ثَجَّاجاً } [ النبأ : 14 ] مطراً كثيراً الانصباب ، متتالي القطر . { لِّنُخْرِجَ بِهِ } أي : بالماء { حَبّاً } تقتاتون به { وَنَبَاتاً } [ النبأ : 15 ] تعلف به مواشيكم . { وَجَنَّاتٍ } متنزهات لكم وبساتين { أَلْفَافاً } [ النبأ : 16 ] ملتفات أشجارها وثمارها من كثرتها وكثفاتها . كل ذلك من المقدروات التي يتفطن منها العاقل المنصف على وقوع الحشر والنشر ، وجميع الأمور الغيبية الموعودة في يوم الجزاء ، بل جميع المقدورات الداخلة تحت قبضة القدرة الإلهية ؛ إذ نسبة القدرة الكاملة الإلهية إلى هذه المقدورات وأمثالها ، وإلى الأمور الموعودة فيها على السواء ، والإرادة الكاملة الإلهية ترجع كلاًّ منها عند حلول ما قدَّر الله له من الوقت والأجل . وبالجملة : من ترقى إدراكه عن مضيق الأُلف ، وخرق حجب الرسوم والعادات ، وخلص من ظلمات الأوهام والخيالات العائقة عن الوصول إلى وحدة الذات التي هي منيع عمم الخيرات ، ومنشأ جميع الكمالات ، انكشف له ولاح عنده أن أمر النشأة الأولى والأخرى وأمثالها ، بل أضعافها وآلافهما في جنب القدرة الغالية الإلهية سهل يسير ، لكن المحجوب المحبوس في عالم المحسوس المقيَّد بعقال العقل المبهوت ، المشوب بالوهم المنحوس ، والخيال المزور المنكوس ، يتخيل حصر المظاهر والمجالي الإلهية بسراب عالم الطبيعة والهيولي ؛ لذلك وقع فيما وقع من البلوى ، وزلت نعله في سبيل القرب من المولى . هب لنا من لدنك رحمة تنجينا من أمثال هذه المهالك ، إنك أنت الوهاب .