Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 17-30)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ قال : سبحانه : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } الفارق بين احتجاب أصحاب الحيرة والضلال ، وأرباب العناية والوصال { كَانَ } له { مِيقَاتاً } [ النبأ : 17 ] وقتاً معيناً في حضرة علم الله ، مقدراً في لوح قضائه ، لم يطلع أحداً عليه وعلى تعيينه ، بل أخبرهم بأماراته وعلاماته . اذكر يا أكمل الرسل { يَوْمَ } أي : يوم إذ حل وقت يوم الفصل ، وقيام الساعة { يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } النفخة الأولى ؛ لبعث الموتى ، وإذا وصل لهم ذلك الصدى فيخرجون من قبورهم حيارى سكارى مبهوتين ، ثمَّ ينفخ فيه ثانياً ، للحشر { فَتَأْتُونَ } المحشر { أَفْوَاجاً } [ النبأ : 18 ] زمراً زمراً ، فرقاً فرقاً . { وَ } يومئذٍ { فُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ } أي : خرقت وشقت { فَكَانَتْ } الخرق والشقوق لها { أَبْوَاباً } [ النبأ : 19 ] . { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } عن وجه الأرض ، وتحركت فطارت أجزاؤها ، كالهباء نحو الهواء { فَكَانَتْ } أشكالها وهيئاتها { سَرَاباً } [ النبأ : 20 ] أي : كالسراب يُرى على صورة الجبال ، ولا حقيقة لها كما هي الآن عند العارف المكاشف . { إِنَّ جَهَنَّمَ } يومئذٍ { كَانَتْ مِرْصَاداً } [ النبأ : 21 ] مرصداً ومصيراً لعموم العباد ، يعبرها أهل الجنة على تفاوت سرعة وبطء ، مترتباً على تفاوت أعمالهم وأحوالهم ومقاماتهم : منهم من لا يلتفت نحوها ، ولا يدركها أين هي وإن عبرها . ومنهم من يعبرها ، كالبرق الخاطف ، ثمَّ الأمثل الأمثل فينجون من غوائلها ، ويسقط فيها أهل النار ، ويبتلون بأغلالها وسلاسلها فتصير { لِّلطَّاغِينَ } المصرِّين على كفرهم وطغيانهم { مَآباً } [ النبأ : 22 ] مرجعاً ومأوى ، لا يخرجون منها . بل يكونون { لاَّبِثِينَ } ماكثين { فِيهَآ أَحْقَاباً } [ النبا : 23 ] وأيّ أحقاب ، أحقاباً لا كأحقاب الدنيا ، بل لا نهاية لها ، ولا غاية لحدها فذكرها كنايةً عن عدم نهايتها . وهم { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا } أي : في جهنم البعد والحرمان { بَرْداً } لحرمانهم عن لذة برد اليقين في النشأة الأولى { وَلاَ شَرَاباً } [ النبأ : 24 ] لأنهم لم يشربوا في النشأة الأولى من زلال الإيمان شربة ، ولا من رحيق العرفان جرعة . لذلك لم يشربوا في النشأة الأخرى { إِلاَّ حَمِيماً } ماءً حاراً ، سخن بنيران غضبهم وشهواتهم ، بحيث يقطع أمعالهم من شدة حرارته . { وَغَسَّاقاً } [ النبأ : 25 ] صديداً يسيل من جراحات أهل النار بدل ما يأكلون ويشربون من أموال اليتامى والمظلومين ظلماً . وبالجملة : جوزوا فيها { جَزَآءً وِفَاقاً } [ النبأ : 26 ] موافقاً مطابقاً لأعمالهم التي آتوا بها في دار الدنيا . وبالجملة : { إِنَّهُمْ كَانُواْ } حين يمموا على المعاصي ، وعزموا على الآثام { لاَ يَرْجُونَ } ولا يأملون { حِسَاباً } [ النبأ : 27 ] ولا يخافون عذاباً . { وَ } لهذا { كَذَّبُواْ } بآياتنا الدالة على كمال قدرتنا ، واقتدارنا على وجوه الإنعام والانتقام ، وعلى رسلنا المنزلة إليهم بتلك الآيات { بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } [ النبأ : 28 ] تكذيبً بليغاً ، وإنكاراً شديداً إلى حيث يستهزئون بالآيات والرسل . { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } [ النبأ : 29 ] يعني : هم وإن بالغوا في التكذيب والعناد فصلنا عليهم أعمالهم ، وأحصينا لهم جميع خصائلهم المذمومة في صحف أعمالهم ، سيحاسبون عليها على التفصيل ، ويجازون بمقتضاها . وبعدما يحاسبون ويؤاخذون ، يقال لهم زجراً عليهم وتوبيخاً : { فَذُوقُواْ } أيها المسرفون المفرطون { فَلَن نَّزِيدَكُمْ } بأعمالكم وتكذيبكم { إِلاَّ عَذَاباً } [ النبأ : 30 ] فوق العذاب . في الحديث - صلوات الله على قائله - : " هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار " .