Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 31-40)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ أردف سبحانه بوعيدهم وعد المؤمنين تشديداً لعذابهم وتأكيداً : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ } المؤمنين ، المتحفظين نفوسهم عن محارم الله خوفاً من عذاب الله ، ورجاءً من فضله { مَفَازاً } [ النبأ : 31 ] مخلصاً ونجاةً من جميع المكاره اللاحقة للكفار والعصاة . { حَدَآئِقَ } ذت بهجة ونضارة ونزاهة { وَأَعْنَاباً } [ البنأ : 32 ] معروشات وغير معروشات . { وَ } إن لهم فيها أزواجاً { كَوَاعِبَ } نواهد ، استدارة ثديهن مثل الرمان { أَتْرَاباً } [ النبأ : 33 ] أبكاراً ، { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 56 ] . { وَكَأْساً } من خمور المحبة الإلهية { دِهَاقاً } [ النبأ : 34 ] ملآناً . { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } أي : في الجنة عند شرب خمور المحبة { لَغْواً } فضولاً من الكلام { وَلاَ كِذَّاباً } [ النبأ : 35 ] أي : مكاذبة ، يكذِّب بعضهم بعضاً ، كما يقع بين شاربي شراب الدنيا . وإنما يجازون بما يجازون { جَزَآءً } ناشئاً { مِّن رَّبِّكَ } يا أكمل الرسل { عَطَآءً } منه إياهم تفضلاً عليهم وإحساناً ؛ إذ لا يجب عليه سبحانه شيء { حِسَاباً } [ النبأ : 36 ] كافياً وافياً ، لا ينقصون ولا ينتظرون . وكيف لا يتفضل سبحانه على أوليائه ، مع كونه { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } السياق يدل على أن التفسير جرى على قراءة نافع وابن كثير وغيرهما : " رَبُّ " أي : مربِّي العلويات والسفليات { وَمَا بَيْنَهُمَا } من الممتزجات { ٱلرَّحْمَـٰنِ } السياق يدل على أن التفسير جرى على قراءة نافع وابن كثير وغيرهما : " الرَّحْمَنُ " المستوي على عروش الكل بالرحمة العامة ، والاستيلاء التام ، والسلطنة القاهرة ، والبسطة الغالبة بالإرادة والاختيار ، بحيث { لاَ يَمْلِكُونَ } ولا يقدرون ؛ أي : أهل السماوات والأرض { مِنْهُ } سبحانه { خِطَاباً } [ النبأ : 37 ] أي : لا يسع لهم أن يخاطبوه ، ويطالبوا منه شيئاً من زيادة ثواب ونقص عقاب ، بل هو بذاته فقال لكل ما يريد من مقتضيات أسمائه وصفاته بالإرادة والاختيار ، لا يُسئل عن فعله ، إنه حكيم حميد ؟ ! وكيف يملك وبقدر خطابه سبحانه هؤلاء الأظلال الهلكى في حدود ذواتهم ، مع أنه { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ } أي : الوجودات الإضافية الفائضة على هياكل الهويات من أشعة نور الوجود المطلق { وَٱلْمَلاَئِكَةُ } أي : الأسماء والصفات الإلهية المجردات عن التعلقيات مطلقاً { صَفّاً } صافين مصطفين ، سكاتين صامتين من كمال دهشتهم عن سطوة سلطنة الذات القاهرة الغالبة { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ } حنيئذٍ ، ولا يقدرون على التفوه بالحال أو المقال { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } بالشفاعة والسؤال فتكلم بإذنه { وَقَالَ صَوَاباً } [ النبأ : 38 ] مرضيّاً عند الله مستجاباً ؟ ! وبالجملة : { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ } أي : يوم الفصل والقيامة هو اليوم { ٱلْحَقُّ } الثابت الكائن وقوعه بلا خلف ولا ريب { فَمَن شَآءَ } أن يأمن من فتنته ، ويخلص من عذابه { ٱتَّخَذَ } وأخذ في النشأة الأولى { إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } [ النبأ : 39 ] مرجعاً ومنقلباً يتوجه إليه ، ويتحنن نحوه متقرباً بصوالح الأعمال ، ومحاسن الأخلاق والأطوار . وبالجملة : { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ } أيها المعرضون عن الله ، المنصرفون عن طاعاته وعباداته { عَذَاباً قَرِيباً } سليحقكم بغتة ، وأنتم لا تشعرون بأماراته ومقدماته { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ } ويرجى جميع { مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } خيراً كان أو شراً ، نفعاً كان أو ضراً { وَ } بعدما رأى الكل يومئذٍ ما رأى من المصالح والمقابح الصادرة منه ، الجارية عليه { يَقُولُ ٱلْكَافِرُ } الرائي قوابح أفعاله ، وفواسد أعماله ، متأسفاً متحسراً متمنياً هلاكه على سبيل المبالغة : { يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [ النبأ : 40 ] لم أُخلق ولم أُكلف ؛ حتى لا أستحق هذا الويل والثبور . هب لنا من لدنك رحمة ، إنك أنت الحريم الغفور . خاتمة السورة عليك أيها الموحد المحمدي أن تتزود ليوم الجزاء بالتقوى عن محارم الله ، والاجتناب عن منهياته ، والامتثال بأوامره ، والتخلق بأخلاقه ؛ حتى لا تستحي من الله في يوم الجزاء ، ولا تتمنى مقتك وهلاكك مثل من كفر وعصى . فلك أن تلازم على أداء الواجبات والمستحبات ، والمسنونات من الصلوات والزكوات وأنواع الطاعات ، والتقرب نحوه بالنوافل من الطاعات والصلوات والصدقات ، والخدمة بالجوارح والآلات لعموم عباد الله ، والسعي إلى مطلق الخيرات والمبرات ، والاجتهاد في طريق الحسنات وترك السيارات ومطلق المنكرات ؛ حتى تتخلص من كؤود العقبات ، وتصل إلى روضات الجنات ، وتفوز بالفوز بالسعادات وأنواع الكرامات . جعلنا الله من أرباب الهداية والتوفيق ، ويسر لنا الوصول إلى مقر التوحيد والتحقيق بمنِّه وجوده .