Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 15-26)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ أشار سبحانه إلى تسلية حبيبه صلى الله عليه وسلم ، وحثه على الاصطبار بأذيات أصحاب التكذيب والاستكبار فقال : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } [ النازعات : 15 ] يعني : بما اضطربت بتكذيب قومك ، وإنكارهم عليك ، وإعراضهم عن هدايتك وإرشادك يا أكمل الرسل ، أليس قد أتيتك حديث أخيك موسى الكليم ؛ حتى يسليك ويزيح كربك ، ويرشدك إلى الصبر والثبات مثل أخيك ؛ حتى تظفر على أعدائك مثله . وذلك وقت { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ } بلا وسيلة الملك ، وسفارة السفير ؛ إذ هو حينئذٍ من إفراط المحبة { بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } عن رذائل الأغيار ، والالتفات إلى ما سوى الملك الجبار { طُوًى } [ النازعات : 16 ] أي : طويت دونه حينئذٍ مطلق التعينات والنقوش الطارئة على بحر الوجود من رياح الإضافات المعوجة الممنوحة . وبعدما تقرر في مقعد الصدق ، وتمكن على مكمن اللاهوت أمره سبحانه بالالتفات إلى عالم الناسوت ، والرجعة نحوه ؛ للإرشاد والتكميل تتميماً لقضية الحكمة البالغة ، المتقنة الإلهية بقوله : { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } العالي العاتي ، الباغي الطاغي { إِنَّهُ طَغَىٰ } [ النازعات : 17 ] وتجاوز عن مقتضى العبودية طغياناً فاحشاً إلى أن ادَّعى الألوهية لنفسه . { فَقُلْ } مستفهماً أولاً على طريق الملاينة اللازمة لمرتبة النبوة والإرشاد : { هَل لَّكَ } بعدما انحرفت عن جادة العبودية بهذه الدعوى الكاذبة الباطلة ميل { إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } [ النازعات : 18 ] وتتطهر عن رذيلة الكفر والطغيان ، ونقيصة الظلم والعدوان . { وَأَهْدِيَكَ } وأرشدك أنا بإذن الله ووحيه { إِلَىٰ } توحيد { رَبِّكَ } وتقديس مربيك الذي أظهرك من كتم العدم ، وربَّاك بأنواع اللطف والكرم ، وبعدما تعرف وحدة ربك ، وتؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وتصدق بكمال قدرته واقتداره على وجوده الانتقامات والإنعامات ، وباستقلاله في عموم التدبيرات والتصرفات { فَتَخْشَىٰ } [ النازعات : 19 ] حينئذٍ عن بطشه وقهره ، وتشتغل بأداء المأمورات ، وترك المنكرات والمحرمات ، والاجتناب عن مطلق المنهيَّات ، وبالجملة : تكون من زمرة أرباب العناية والكرامات ، وتتخلص من نيران الطبيعة ودركاتها ؟ . وبعدما ذهب موسى لمقتضى أمر الله ووحيه إلى فرعون الطاغي الباغي ، وبالغ في التبليغ وإظهار الدعوة ، والملاينة على وجه الرفق والمداراة { فَأَرَاهُ } على سبيل التبيين والتوضيح { ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } [ النازعات : 20 ] يعني : العصا وتقليبها حيَّة ، أو جنس الآيات النازلة عليه . وبعدما سمع فرعون من موسى ما سمع ، ورأى من الآيات ما رأى استكبر وعتا { فَكَذَّبَ } فرعون موسى { وَعَصَىٰ } [ النازعات : 21 ] على المولى ، وزاد على البغي والطغيان . { ثُمَّ } بعدما أقبل عليه موسى بالإرشاد والتكميل بأمر الله { أَدْبَرَ } فرعون عن الإقبال ، وأقبل على البغي والضلال ؛ لذلك { يَسْعَىٰ } [ النازعات : 22 ] ويجتهد في المعارضة والإبطال . { فَحَشَرَ } جنوده وسحرة بلاده { فَنَادَىٰ } [ النازعات : 23 ] على رءوس الملأ على سبيل الاستعلاء والاستكبار . { فَقَالَ } ذلك المسرف المفرط من كمال البطر والافتخار : { أَنَاْ رَبُّكُمُ } ومربيكم الأجلّ { ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] من كل من يلي أمركم أيها البرايا . وبعدما أفرط في البغي والطغيان ، وبالغ في الظلم والعدوان { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ } القدير القهَّار بمقتضى اسمه المضل المذل فجعل سبحانه طغيانه وعدوانه { نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } [ النازعات : 25 ] أي : سبب الأغلال والسلاسل في النشأة الأخرى ، وسبباً للإهلاك والإغراض في النشأة الأولى . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الشأن الذي جرى على فرعون من أنواع البلاء في النشأة الأولى والأخرى { لَعِبْرَةً } عظة عظيمة ، وتذكيراً بليغاً { لِّمَن يَخْشَىٰ } [ النازعات : 26 ] عن ضب الله ، ومقتضيات قهره وجلاله .