Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 1-14)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } حق { ٱلنَّازِعَاتِ } المخلِّصات أرواح عموم العباد عن محابس الطبائع والأركان { غَرْقاً } النازعات : 1 ] لاستغراقهم في لوازم الناسوت ، ومقتضياتها المغشية صفاء عالم اللاهوت . { وَٱلنَّاشِطَاتِ } المنزعات المخرجات لنفوس أرباب المحبة والولاء المتشوقين إلى عالم العماء ، وفضاء اللاهوت { نَشْطاً } [ النازعات : 2 ] رفقاً ولطفاً ؛ لكمال تحننهم وشوقهم إلى الخلاص . { وَٱلسَّابِحَاتِ } المخرجات أرواح الأبرار من أشباحهم هينات لينات ، يقبضون رفقاً ، ثمَّ يمهلون حتى يستريح ، ثمَّ يقبضون ، هكذا إلى أن يخلصوهم ، كالسابح في المَّاء يتحرك ، ثمَّ يستريح ، ثمَّ يتحرك { سَبْحاً } [ النازعات : 3 ] لكونهم سابحين في بحر الحيرة حتى وصلوا إلى بحر اليقين . { فَٱلسَّابِقَاتِ } أي : النفوس الفانية في الله ، الباقية ببقائه ، المبادرة إلى الخروج قبل نزول النازعات { سَبْقاً } [ النازعات : 4 ] لكمال شوقهم وانبعاثهم ، وتجرُّدهم عن ملابس عالم الناسوت ، وانخلاعهم عن مقتضيات الطبيعة والأركان قبل حلول الأجل ، وهجوم المخرجات المخلِّصات . { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ } الموكلات على تدابير عموم المظاهر من الأرزاق والآجال ، وجميع الأمور الجارية في عالم الكون والفساد { أَمْراً } [ النازعات : 5 ] لكونهم مأمورين بها ، موكَّلين عليها بمقتضى حكمة القدير العليم ؛ يعني : وحق هذه الحوامل العظام ، والموكلات الكرام لتبعثن من قبوركم ، ولتحاسبن على أعمالكم أيها المكلفون . اذكروا { يَوْمَ تَرْجُفُ } تتحرك وتضطرب { ٱلرَّاجِفَةُ } [ النازعات : 6 ] المتقررة الساكنة التي لا حركة لها أصلاً ، كالأرض وسائر الجمادات . وبعد تحرك هؤلاء الجوامد { تَتْبَعُهَا } في الحركة والاضطراب والاندكاك { ٱلرَّادِفَةُ } [ النازعات : 7 ] أي : العلويات السائرة المتحركة ، حيث تتشقق السماوات ، وتنتثر الكواكب ، وبالجملة : تختلط العلويات بالسفليات وتتمازجان ، بحيث لا علو ولا سفل . ومن شدة الهول ونهاية الفزع { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } [ النازعات : 8 ] قلقة حائرة ، شديدة الاضطراب . { أَبْصَارُهَا } أي : أبصار أصحاب القلوب حينئذٍ { خَاشِعَةٌ } [ النازعات : 9 ] شاخصة ذليلة من شدة الخوف والهول ، مع أن هؤلاء الشاخصين الواجفين كانوا { يَقُولُونَ أَإِنَّا } في النشأة الأولى حين أخبرهم الرسل بالبعث والحشر على سبيل الاستبعاد والإنكار { لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } [ النازعات : 10 ] أي : إلى الحالة التي كنَّا عليها ؛ يعني : أنبعث أحياءً كما كنا من قبل ؟ ! ثمَّ يزيدون الإنكار على الإنكار بقولهم : { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } [ النازعات : 11 ] بالية رميمة ، نُبعث ونحيا ؟ ! كلاًّ وحاشا ، من أين يتأتى لنا هذا ؟ ! وبعدما استبعدوا واستكبروا بما استنكروا { قَالُواْ } منهمكين ومستهزئين : { تِلْكَ } الحالة المفروضة لو وقعت ، ورددنا إلى الحياة بعد الموت ، كما زعم هؤلاء المدَّعون ؛ يعنون : الرسل ، يحصل لنا { إِذاً كَرَّةٌ } عودة ورجعة { خَاسِرَةٌ } [ النازعات : 12 ] ذا خسران وخذلان ؛ لأننا كنا نكذِّب بها ، ولا نصدِّق من أخبر بها ، وبعدما وقعت كنَّا خاسرين خسراناً عظيماً . وبعدما تقاولوا من بطرهم وخيلائهم ما تقاولوا ، قيل لهم من قِبَل الحق ، مقرّعاً على استماع استعداداتهم : لا تستبعدوا أمر الساعة ، ولا تستصعبوها { فَإِنَّمَا هِيَ } أي : أمر الساعة وقيامها عند كمال قدرتنا الغالبة القاهرة { زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } [ النازعات : 13 ] أي : نفخة واحدة ، يُنفخ في الصور بأمرنا وحكمنا . فإذا نفخت النفخة الثانية { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } [ النازعات : 14 ] أي : فوجئ بنو آدم بأجمعهم فصاروا أحياءً على وجه الأرض ، كما كانوا عليها في النشأة الأولى من الهيئات والأشكال ، والهياكل والهويات .