Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 24-26)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ قال سبحانه منادياً للمؤمنين تذكيراً له وتعليماً : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم : إجابة الله وإجابة رسوله { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ } بامتثال مأموراته وأحكامه واجتناب نواهيه { وَلِلرَّسُولِ } سنته وآدابه وأخلاقه { إِذَا دَعَاكُم } وحده ، باعتبار أن دعوة الرسول هي بعينها دعوة الحق { لِمَا يُحْيِيكُمْ } من العلوم الدينية والمعارف الحقيقية المثمرة للمكاشفات والمشاهدات التي اضمحلت دنها نفوس السّوى والأغيار مطلقاً ، المورثة للحياة الأزلية والبقاء السرمدي التي لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى التي هي الانخلاع عن لوازم البشرية ، ومقتضيات القوى البهيمية ، ولا بدَّ أن تكون إجابتكم وقولكم على وجه الخلوص والتسليم . { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائر عباده { يَحُولُ } ويحجب { بَيْنَ ٱلْمَرْءِ } المشخص بالهوية الشخصية ، المتعين بالتعين العدلي { وَقَلْبِهِ } الذي يسع فيه الحق المنزه عن الإطلاق والتقييد ، المبرئ عن الإحاطة والتحديد بالحجب الكثيرة فمادامت الحجب والأستار مسدولة بين المرء وقلبه لم يشم رائحة المحبة والولاء المؤدي إلى الفناء ، المثمر للبقاء . وانفتاح أبواب المحبة والولاء إنما يحصل بالإخلاص والتسليم والتفويض والتوكل والتبتل ، والتوحيد المقسط للإضافات مطلقاً { وَ } بالجلمة : { أَنَّهُ } أي : الشأن { إِلَيْهِ } سبحانه لا إلى غيره بد رفع الأظلال الهالكة والتعينات الباطلة { تُحْشَرُونَ } [ الأنفال : 24 ] ترجعون رجوع الظل إلى ذي الظل . { وَٱتَّقُواْ } أيها المؤمنون { فِتْنَةً } أي : معصية مسقطة للعدالة ، مزيحة للمروءة مورثة للمصيبة الشاملة إثرها لعباد الله مثل الطاعون المترتب على الزنا واللواط ، والقحط المترتب على التخسير والتطفيف والاحتكار وغيرها من طرق الربا ، مع أن أثرها { لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي : أتوا بها { مِنكُمْ خَآصَّةً } بل يعم الظالمين وغيرهم بشؤمهم ؛ لأن غيرهم يداهنون معهم كأنهم راضون بفعلهم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظمة { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنفال : 25 ] ضعب الانتقام ، سريع الحساب لعى من خرج من مقتضى أمره ونهيه . { وَٱذْكُرُوۤاْ } أيها المؤمنون نعمنا إياكم ، وداموا بشكرها وقت { إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ } يستضعفكم مَنْ { فِي ٱلأَرْضِ } يعني : أرض مكة - شرفها الله - ومن غاية ضعفكم وقلتكم { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ } ويلتقطكم { ٱلنَّاسُ } عن وجه الأرض إلى حيث يستأصلكم بالمرة ؛ من غاية ضعفكم وقلتكم { فَآوَاكُمْ } الله بحوله وقوته ، وأعادكم إليها بعدما أخرجكم العدو منها ظلماً وزوراً { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } بأن تغلبوا وتظفروا على عدوكم ، وتخرجوهم منها مهانين مغلوبين مستضعفين { وَ } بعدما أيدكم وأظفركم سبحانه { رَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } التي غنمتم منها { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الأنفال : 26 ] رجاء أن تواظبوا شكر هذه النعم الجسام .