Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 27-30)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ قال سبحانه على وجه العظة والتذكير تعليماً للمؤمنين ، منادياً لهم ؛ ليقبلوا بما أمروا ونهوا : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم : أن { لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ } في امتثال أوامره واجتناب نواهيه { وَٱلرَّسُولَ } في سنته وأخلاقه وآدابه التي وضعها فيما بينكم ؛ لإصلاح حالكم { وَ } بالجملة : { تَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ } التي ائتمنتم فيها اعتماداً وثقةً { وَ } الحال أنه { أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال : 27 ] قبح الخيانة من أنفسكم بلا احتياج إلى إنذار منذر ، وإخبار مخبر ، والخيانة في الأمانات إنما تنشأ من جلب المنفعة والحرص المفرط ، وتكثير الميل إلى المال الصالح للعيال . { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } اختيار وابتلاء لكم من ربكم يجربكم هل تضطربون في أمر المال والعيال ، وتوقعون لأجلها في المهالك وإباحة المحرمات ، وارتكاب الخيانات المسقطة للمروءات مطلقاً ؟ أم تفوضون الأمور كلها إلى الله وترضون بما قضى عليكم ، وقدر لكم في سابق علمه ولوح قضائه ؟ { وَ } اعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ } المطلع لجميع حالاتكم { عِندَهُ } وفي كنف حفظه وجواره { أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال : 28 ] للمفوضين الذين رضوا بقسمة الله في جميع حالاتهم ، ووفوا بما ائتمنوا من الأمانات مجتنبين عن الخيانة فيها . { يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ } وتحذروا عن محارمة ومحضوراته مطلقاً ، وتؤدوا الأمانات التي ائتمنتم بها من الأموال والشهادات بلا خيانة فيها ، وتفوضوا أموركم كلها إليه مجتنبين { يَجْعَل لَّكُمْ } وينزل على قلوبكم تفضلاً وامتناناً { فُرْقَاناً } ينور به قلوبكم إلى حيث تميِّزون الحق من الباطل ، والصواب من الخطأ ، والإلهام الإلهي من إغواء الشيطان وتقريره { وَيُكَفِّرْ } به ويمحو به { عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } أي : جرائمكم اللاتي مضت عليكم بالمرة { وَ } بالجملة : { يَغْفِرْ لَكُمْ } ويستر عنكم ذنوبكم مطلقاً ؛ تفضلاً وامتناناً { وَ } لا تتعجبوا من أفضاله هذا ، ولا تستبعدوا منه سبحانه أمثاله ، إن { ٱللَّهُ } المراقب لأحوال عباده { ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [ الأنفال : 29 ] واللطف الجسيم على من توكل عليه ، والتجأ نحوه في جميع حالات على وجه الخضوع والخشوع . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل إنجاءنا وخلاصنا إياك وقت { إِذْ يَمْكُرُ } ويخدع { بِكَ } إهلاكك ومقتك { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : قريشاً شاوروا لأمرك في دار الندوة { لِيُثْبِتُوكَ } ويحبسوك في دار ليس فيها منفذ ولا كوة يلقون منها طعامكم أحياناً { أَوْ يَقْتُلُوكَ } مزدحمين ؛ بحيث لم ينسب قتلك إلى معين منهم { أَوْ يُخْرِجُوكَ } من مكة محمولاً على عجل ؛ ليقتلك القطاع { وَ } بالجملة : { يَمْكُرُونَ } أولئك الكفرة العصاة الطغاة لمقتك { وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } الرقيب عليك ؛ لإنجائك وخلاصك من أيديهم قغلب مكره سبحانه على مكره ، وأخرجك من بينهم سالماً { وَٱللَّهُ } المطلع لجميع محايلهم { خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] أي : أشدهم وأقواهم تأثيراً وقوةً . وذلك أنهم حين سمعوا إيمان الأنصار تشاوروا على أظهرهم في أمره صلى الله عليه وسلم ، وارتفاع شأنه ، وسطوع برهانه فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ ، وقال : أنا من نجد ، سمعت اجتماعكم فأحضركم ؛ لأعلم كيف تدبرون في أمر هذا الشخص الذي لو بقي زماناً على هذا يُخاف عليكم من شرءه ؟ . فقال أبو البحتري : رأيي أن تحبسوه في بيت ، وتسدوا منافذه غير كوةٍ يلقون إليه طعامه وشرابه حتى يموت ، فقال الشيخ النجدي : بئس هذا الرأي ، يأتيكم من يقاتلكم من قومه يخلصونه من أيديكم ، فقال هشام بن عمرو : رأيي أن يحملوه على جمل فيخرجوه من أرضكم ، ولا يلحقكم ضرر بني هاشم ، فقال الشيخ : يفسد قوماً آخر ويقاتلكم بهم أما رأيتم طلاقة لسانه وحلاوة كلامه ، ووجاهة منظره ؟ . فقال أبو جهل : أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاماً وتعطوه سيفاً ، فيضربون دفعة واحدة فيتفرق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حروب قريش كلهم ، فإن طلبوا العقل عقلناه ، فقال الشي : صدق هذا التفى ، واتفقوا على رأيه . فأتى جبريل النبي - عليهما السلام - وأخبره الخبر وأمره بالهجرة فبيَّت صلى الله عليه وسلم علياً - كرم الله وجهه - على مضجعه متسجياً ببرده ، وخرج صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه ومضيا إلى الغار وبات المشركون يحرسون علياً - كرم الله وجهه - يحسبون النبي صلى الله عليه وسلم ، فلمَّا أصبحوا ساروا ليقتلوه قرأوا عليّاً ، فقالوا : أين صاحبكم ؟ فقال : ما أدري فاتبعوا أثره ، فلمَّا بلغوا الغار رأوا نسج العنكبوت على بابه ، فقالوا : لو دخله ليم يبق لنسج العنكبوت أثر ، فمكث فيه صلى الله عليه وسلم ثلاثة ثمَّ خرج نحو المدينة .