Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-69)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ أشار سبحانه إلى سر جواز أخذ الفدية والجزية للرسل والأنبياء ، ووقَّته وسبَّبه فقال : { مَا كَانَ } أي : ما صح وجاز { لِنَبِيٍّ } من الأنبياء { أَن يَكُونَ لَهُ } وفي يده { أَسْرَىٰ } من الكفار يفديهم على المال ، ويخلي سبيلهم { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } أي : لا يجوز لهم أخذ الفدية إلى أن يكثر القتل وبذل الكفار ، ويعز الدين ويغلب أهله إلى حيث اضطر المخالفون لتخليص نفوسهم إلى الفدية ، مع أنه لا يتوقع منهم المنازعة والمخاصمة أصلاً ، وصاروا مهانين مقهورين ، ومتى لم يصلوا إلى هذه المرتبة لم يصح أخذ الفدية ، وإذا كان أمر الفدية هكذا ، كيف { تُرِيدُونَ } أيها المؤمنون بأخذها { عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } ومتاعها وحطامها { وَٱللَّهُ } المصلح لأحوالكم ، المدبر لأموركم { يُرِيدُ } لكم { ٱلآخِرَةَ } وثوابها بأخذها ، وما يترتب عليها من اللذات الروحانية ، وأنتم تقصدون أن تستلذوا بحطام الدنيا ومزخرفاتها { وَٱللَّهُ } المراقب لحالاتكم { عَزِيزٌ } غالب فيما أراد لأجلكم { حَكِيمٌ } [ الأنفال : 67 ] ريد لكم ما يليق بحالكم ؟ ! . { لَّوْلاَ كِتَابٌ } حكم وأمر ثابت نازل { مِّنَ ٱللَّهِ } المنتقم الغيور { سَبَقَ } من سابق علمه بألا يأخذ المجتهد المخطئ بخطئه { لَمَسَّكُمْ } أصابكم ونزل عليكم { فِيمَآ أَخَذْتُمْ } وافتديتم من أسارى بدر { عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال : 68 ] مقدار ما فوتم من حكمة الله وأبطلتم حكمه . " روي أنه صلى الله عليه وسلم أتى يوم بدر بسبعين أسيراً فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب ، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم ، وخذ منهم فدية يقوى بها أصحابك ، وقال عمر رضي الله عنه : اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر ، فإن الله أغناك من الفداء فمكني من فلان ؛ لنسب له ، ومكن علياً وحمرمة من أخويهما ، فنلضرب أعناقهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام حيث قال : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، مثلك يا عمر مثل نوح حيث قال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } " فخير أصحابه فأخذوا الفداء ، فزلت . فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان ، فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني ، فإن أجد بكاء بكيت و إلا تباكيت ، فقال : أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه " لشجرةٍ قريبة عنده ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لو نزل العذاب لما برئ منه غير عغمر وسعد بن معاذ " . ومتى اجتهدتم في أخذ الفدية من الأسرى فأخذتم الفدية ، وإن كان اجتهادكم خطأ { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ } بعد إخراج الخمس وافتديتم من الأسرى ؛ إذ هي من جملة الغنيمة { حَلاَلاً } مستحلين مستبيحين { طَيِّباً } خالياً عن وصمة الشبهة ، لاجتهادكم في أخذها { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } من المبادرة في الأمور ، واحتاطوا فيها { إِنَّ ٱللَّهَ } المدبر لأموركم { غَفُورٌ } لما صدر عنكم من المبادرة إلى الفدية { رَّحِيمٌ } [ الأنفال : 69 ] أباح لكم ما أخذتم .