Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 1-22)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ عَبَسَ } وجهه من الكراهة عن المسترشد { وَتَوَلَّىٰ } [ عبس : 1 ] أي : أعرض عنه ، وحول صفحة وجهه عنه كارهاً إياه . وقت { أَن جَآءَهُ } المسترشد { ٱلأَعْمَىٰ } [ عبس : 2 ] أخرج الكلام سبحانه مع حبيبه صلى الله عليه وسلم على طريق الغيبة ؛ إظهاراً لكمال الغيرة ، والحمية الإلهية عن هذه الغفلة الغير مرضية . ثمَّ التفت إلى الخطاب ؛ لكمال التأديب والتشنيع فقال على سبيل التهويل : { وَمَا يُدْرِيكَ } أي : وأيّ شيء يكشف لك حاله وقلبه { لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [ عبس : 3 ] ويتطهر عن الآثام ، ويهتدي إلى طريق الإسلام بهدايتك وإرشادك ، بخلاف أولئك الجهلة الغفلة الذين تحننت نحوهم ، وتحببت دعوتهم ، فإنهم لا يهتدون ولا يتطهرون . { أَوْ يَذَّكَّرُ } أي : يتعظ ويتذكر هذا المريد الفقير من كلامك { فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } [ عبس : 4 ] والعظة ، و توجَّه هو بسببها إلى المولى . { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } [ عبس : 5 ] عن الله ، وأعرض عن تذكيرك ودعوتك مستكبراً بماله وثروته ، وسيادته وكمال نخوته . { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } [ عبس : 6 ] تميل وتتعرض بالإقبال إليه ، وتتحنن بكمال المحبة نحوه . { وَمَا عَلَيْكَ } أي : أيّ شيء عرض عليك ، ولحِق بك عن المكاره الإمكانية { أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } [ عبس : 7 ] ولا يتظهر عن خباثة الآثام ، وأدناس العصيان حتى يبعثك عن الإعراض عن أهل الحق ، وعدم الالتفات نحوهم ، مع أن ما عليك إلاَّ البلاغ والتبليغ . { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ } من أرباب الطلب والإخلاص { يَسْعَىٰ } [ عبس : 8 ] ويسرع بطلب الخير والهداية . { وَ } الحال أنه { هُوَ يَخْشَىٰ } [ عبس : 9 ] عن غضب الله ويرجو ثوابه . { فَأَنتَ } مع كونك مبعوثاً عن الهداية والإرشاد إلى أصحاب الإرادة والقبول { عَنْهُ تَلَهَّىٰ } [ عبس : 10 ] تتشاغل وتنصرف ، كأنك تحقره ولا تبال بشأنه وإيمانه ؛ لرثاثة حاله وفقره . ثمَّ بالغ سبحانه في تأديب حبيبه صلى الله عليه وسلم وأكده ، حيث قال : { كَلاَّ } أي : ارتدع عن فعلتك هذه ، ولا تمل إلى أصحاب الزيغ والضلال معرضاً عن أرباب الهداية والكمال ؛ إذ ما عليك التخيير والاختيار ، إن عليك إلاَّ التبليغ والإنذار { إِنَّهَا } أي : دعوتك وتذكيراتك بالآيات { تَذْكِرَةٌ } [ عبس : 11 ] نازلة من ربك ، مأمورة لك تبليغها إلى الناس . { فَمَن شَآءَ } سبحانه اتعاظه من عباده { ذَكَرَهُ } [ عبس : 12 ] أي : بالقرآن ، ووعظه به سواء كان فقيراً أو غنياً . وكيف لا يوعظ به ، مع أنه منزّل من عند الله { فَي صُحُفٍ } نازلة على رسل الله { مُّكَرَّمَةٍ } [ عبس : 13 ] عنده سبحانه ؟ ! { مَّرْفُوعَةٍ } مقبولة لديه درجةً ومكاناً ، ملقاة من عند الله إلى رسول الله { مُّطَهَّرَةٍ } [ عبس : 14 ] . { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } [ عبس : 15 ] أي : ملائكة يتوسلون بين الله ورسله . { كِرَامٍ } أعزة من عند الله ، ذو كرامة على أهل الإيمان { بَرَرَةٍ } [ عبس : 16 ] أتقياء مبرورين في أنفسهم ، بارين على عباد الله مع هذه الكرامة العظيمة الإلهية ، والإشفاق البليغ من لدنه سبحانه ، والرحمة العامة من عنده . { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ } أي : لُعن وطُرد عن ساحة القبول { مَآ أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] أي : أيّ شيء حداه وبعثه إلى الإعراض عن الله المنعم المفضل ، والانصراف عن طاعته وعبادته ، مع أنه عالم بكمال كرامته سبحانه عليه ، معترف ببدائع صنعه وصنعته معه ، متذكر في نفسه ، مستحضر بشئونه وتطوراته السالفة ؟ ! { مِنْ أَيِّ شَيءٍ } مسترذل مستنزل { خَلَقَهُ } [ عبس : 18 ] وأوجده حسب قدرته . { مِن نُّطْفَةٍ } مهينة خبيثة { خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } [ عبس : 19 ] أي : هيَّأ آلاته وأعضاءه منها ، فعدَّله وسوَّى هيكله ، ومن أنَّى تكبر وافتخر وبطر ؟ ! { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ } الموحد الموصل إلى ربه وموجده الذي هو مبدؤه ومعاده { يَسَّرَهُ } [ عبس : 20 ] وسهَّل عليه بأن أفاض عليه ، وأودع فيه العقل الفطري المنشعب من العقل الكلي الإلهي ؛ ليعرف به مبدأه ومعاده . { ثُمَّ أَمَاتَهُ } عن نشأة الاختيار والابتلاء تخليصاً وتقريباً له إلى ربه { فَأَقْبَرَهُ } [ عبس : 21 ] في البرزخ . { ثُمَّ إِذَا شَآءَ } وتعلق مشيئته للإحياء { أَنشَرَهُ } [ عبس : 22 ] من القبر ، وحشره إلى المحشر فحاسبه فجازاه على مقتضى حسابه ، خيراً كان أو شراً فضلاً منه وعدلاً .