Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 23-42)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَلاَّ } ردع له وويل عليه ، ما هذا النسيان والكفران لهذه النعم العظام والكرامات الجسام { لَمَّا يَقْضِ } أي : لم يقض ولم يجر من لدن وجوده وظهوره على { مَآ أَمَرَهُ } [ عبس : 23 ] الحق به ؛ إذ لا يخلو أحد من أفراد الإنسان عن الكفر والكفران ، والإثمَّ والعدوان ، إلاَّ أن يعضه متدارك متلاف ، قد جبر بالتوبة والإيمان ما كسر بالكفر ، وبعضه مغمور في عصيانه ونسيانه إلى حيث لا يتنبه قط . وبالجملة : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ } المجبول على الكفران والنسيان { إِلَىٰ طَعَامِهِ } [ عبس : 24 ] المسوق له من لدنَّا تفضلاً وتكريماً ؛ لتقويته وتقويم بنيته . { أَنَّا } من مقام عظيم جودنا كيف { صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ } وأنزلنا من جانب السماء { صَبّاً } [ عبس : 25 ] ترويجاً له ، وتهيئةً لأسباب معاشه . { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ } بعدما صببنا الماء عليه { شَقّاً } [ عبس : 26 ] بديعاً . { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } [ عبس : 27 ] من أنواع الحبوب التي يقتات بها الإنسان { وَعِنَباً } متضمناً لأنواع الأدم والمشروبات . { وَقَضْباً } [ عبس : 28 ] نباتاً يُقطع مرة بعد مرة ، يعين للأكل . { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } [ عبس : 29 ] . { وَ } بالجملة : { حَدَآئِقَ غُلْباً } [ عبس : 30 ] مملوءة بأنواع الأشجار والثمار . { وَفَاكِهَةً } أي : ألوان الفاكهة وأنواعها وأصنافها { وَأَبّاً } [ عبس : 31 ] علفاً لمواشيه ومراكبه التي بها يتم ترفهه وتنعمه . وبالجملة : أعطاكم وأحسن إليكم سبحانه ما أعطى وأحسن من النعم العظام ، والكرم الجسام ، ليكون { مَّتَاعاً } وتمتعياً { لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } [ عبس : 32 ] التي بها يتم ترفهكم وتنعمكم ، وإنما أنعم عليكم سبحانه ؛ لتعرفوا المنعم ، وتواظبوا على شكر النعم ، وأنتم تكفرون للنعم والمنعم جميعاً . اذكروا { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } [ عبس : 33 ] الصيحة المقرعة لصماخكم وأسماعكم . فحينئذٍ شق عليكم الأمر ، وصعب الهول ، مع أنه لا نصر يومئذٍ ولا مظاهرة ، ولا إغاثة من أحد ولا إعانة ، بل { يَوْمَ } أي : يومئذٍ { يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } [ عبس : 34 ] شقيقه وشقيقته { وَأُمِّهِ } التي يأوي إليها . { وَأَبِيهِ } [ عبس : 35 ] الذي يظاهر ويفتخر به { وَصَٰحِبَتِهِ } التي هي أحب إليه من عشائره . { وَبَنِيهِ } [ عبس : 36 ] الذين هم أعز عليه من عموم أقاربه . وسبب النفرة والفرار : اشتغال كل بحاله بلا التفات منه إلى حال غيره ؛ إذ { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 37 ] يشغله عن شئون غيره ، ويزعجه على الاهتمام به ، مع أنه لا يكفه ولا يكفيه . وكيف لا يكون كذلك ؛ إذ { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } [ عبس : 38 ] مضيئة مشرقة ، متنورة بنور الإيمان والعرفان . { ضَاحِكَةٌ } فرحاً وسروراً بلقاء الرحمن { مُّسْتَبْشِرَةٌ } [ عبس : 39 ] بعلو الدرجات والمقامات بأنواع السعادات والكرامات . { وَوُجُوهٌ } أخر { يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [ عبس : 40 ] غبار وكدورة ناشئة من أكدار الكفر والكفران ، وأنواع الآثام والعصيان . مظلمة إلى حيث { تَرْهَقُهَا } وتغشيها { قَتَرَةٌ } [ عبس : 41 ] مذلة وصغار ، وذلة وخسارة . وبالجملة : { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء عن ساحة عز القبول ، المكدرون بكدورات الكفر والشرك ، وأنواع الفسوق والفجور { هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } [ عبس : 42 ] الخارجون عن مقتضى الحدود الإلهية ، ونور المعرفة والإيمان بمتابعة القوى البهيمية من الشهوية والغضبية ؛ إذ كلتاهما مناظ عموم الشرور والخسران . أعاذنا الله وعموم عباده من شرهما . خاتمة السورة عليك أيها المستنشط القاصد لتبشير الحق وتيسره أن تسمع نداء البشارة والتوفيق الإلهي من ألسنة عموم رسل الله وكتبه ، فلك أن تقتفي أثر هؤلاء الكرام ، وتمتثل بما في كتاب الله العليم العلام من الأوامر والنواهي ، ومطلق الأحكام والعِبر والتذكيرات الموردة فيه ، المتعلقة لتهذيب الظاهر والباطن من الميل والإلحاد إلى الأمور المؤدية إلى إفساد العقائد والعناد . فلك الفرار عن أصحاب الزيغ والضلال ، والانصراف عن مخالطتهم ومصاحبتهم في كل حال ؛ حتى تكون من زمرة أصحاب المتنعمين في جنات النعيم ، لا من الضالين المكذبين المخلدين في دركات الجحيم ، المعذبين بالعذاب الأليم . نسأل منك يا ذا القوة المتين الفوز بدرجات النعيم ، والعوذ عن دركات الجحيم يا من فضله وكرمه عميم .