Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 18-28)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ كرر سبحانه لفظة : { كَلاَّ } ردعاً لهم بعد ردع ، تأكيداً وتقريعاً ؛ وليكون توطئة وتمهيداً لتعقيب وعيدهم بوعد المؤمنين ، مع أن في هذا التعقيب زيادة زجر وتقريع عليهم بما اقترفوا من الآثام والعصيان ، المؤدية إلى دار الندامة والحرمان { إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ } أي : ما كتب فيه عموم آثارهم الصالحة ، الصادرة عنهم إيماناً واحتساباً ، ثقةً بالله ، وخوفاً من غضبه ، محفوظة فيه جميع ما ذكر ، محكوم عليهم بمقتضى ما فيه ، إنهم { لَفِي عِلِّيِّينَ } [ المطففين : 18 ] أي : متمكنون في أعلى درجات الجنة ، وأرفع مقاماتها . ثمَّ أيهمه سبحانه تعظيماً وتفخيماً فقالأ : { وَمَآ أَدْرَاكَ } أيها البار المبرور { مَا عِلِّيُّونَ } [ المطففين : 19 ] وما شأنه الرفيع ، ومكانته البديعة ، وما فيها من اللذات الروحانية التي من لم يذقها لم يعرفها ؟ ! رزقنا الله الوصول إليها ، والحصول دونها . وبالجملة : كتاب الأبرار { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [ المطففين : 20 ] بين الرقم والرسوم . { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ المطففين : 21 ] أي : أرباب العناية والتوفيق فيعلمون أن ما فيه خير كله بمجرد رؤيتهم وشهودهم في بادئ النظر . وبالجملة : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ } البارين على الله ، المبرورين بين الناس { لَفِي نَعِيمٍ } [ المطففين : 22 ] مقيم . متكئين { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } المصورة من صالحات أعمالهم ، وصفاء عقائدهم وأخلاقهم { يَنظُرُونَ } [ المطففين : 23 ] إلى ما يسرهم ويفرحهم من الصور الحسنة ، والمنتزهات البديعة . بحيث { تَعْرِفُ } أيها الرائي { فِي وُجُوهِهِمْ } في بادئ الرأي { نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } [ المطففين : 24 ] بهدة التنعم ، وبرق الرضا والتسليم . مع ذلك { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ } خمر من خمور المحبة والولاء { مَّخْتُومٍ } [ المطففين : 25 ] مطبوع على غيرهم ، بحيث لا يشمون روائحها أصلاً . { خِتَامُهُ مِسْكٌ } أي : روائحه الواصلة لهم منَّا قبل كشفهم عنه ختامه كالمسك ، بلا كراهة وبشاعة ، كخمور الدنيا { وَفِي ذَلِكَ } أي : في رحيق التحقيق ، وكأس المحبة والتصديق { فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } [ المطففين : 26 ] أي : فليرغب الراغبون لنفاسته وسرعة سوغه وانحداره ، وكمال لذاته وذوقه . { وَمِزَاجُهُ } أي : ما يخرج به ، ويخلط من ماء المعارف والحقائق منتشياً { مِن تَسْنِيمٍ } [ المطففين : 27 ] مقام عال ، وهو ينبوع بحر الوجود الذي هو الوحدة الذاتية الإلهية . فكان { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ المطففين : 28 ] أي : يشرب من عذبها وفراتها مَنْ تقرب نحو الحق باليقين الحقي ، فإنهم يشربون من عين الوحدة بلا مزج وخلط . ذقنا حلاوة نعيمك ، وبرد يقينك ، وشربة تسنيمك يا خير الرازقين .