Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 10-17)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبالجملة : { وَيْلٌ } عظيم { يَوْمَئِذٍ } أي : يوم أُعطي ذلك الكتاب { لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المطففين : 10 ] له في النشأة الأولى ، وبواسطة تكذيبهم وإنكارهم به يرتكبون من الجرائم والمعاصي ما لا يُعدّ ولا يُحصى . يعني : وهم { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } [ المطففين : 11 ] والجزاء بجميع الأمور والأخروية من السؤال والحساب ، وإعطاء الكتب وسائر المعتقدات . { وَ } بالجملة : { مَا يُكَذِّبُ بِهِ } سيما بعد نزول الآيات القاطعة ، والبراهين الساطعة من قِبَل الحق بالحق على أهل الحق { إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ } متجاوز عن الحد في الإفراط والغلو ، منكر لكمال قدرة الله وإحاطة علمه ، حتى أنكر القدرة على الإعادة ، مع أن الإبداء الإبداعي مقدور قدرته الغالية أيضاً { أَثِيمٍ } [ المطففين : 12 ] مبالغ في الجهل والغفلة بارتكاب الشهوات ، المعمية لقلوب بصائره عن إدراك آيات القدرة الغالبة الإلهية ، الفانية للحصر والإحصاء . مع أن كل واحدة من تلك الآثار دليل مستقل على الإعادة عند المتأمل المتصف إلاَّ أن المنكر مكابر عن مقتضى عقله ، وما أجرأه وأغراه على الإنكار والإصرار إلاَّ شياطين الأوهام والخيالات المورثة له من إلف الطبيعة ، ورسوخ العادات المبنية على التقليدات الراسخة ، المقتررة في قلوب أصحاب الغفلة والضلال . لذلك { إِذَا تُتْلَىٰ } وتُقرأ { عَلَيْهِ آيَاتُنَا } الدالة على كمال قدرتنا واختيارنا ، واستقلالنا في عموم المرادات والتصرفات الواقعة في ملكنا وملكوتنا { قَالَ } من فرط جهله ، ونهاية غفلته وإعراضه عن الحق وأهله : ما هي إلاَّ { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ المطففين : 13 ] أي : أكاذيبهم المسطورة في دواوينهم . ثمَّ قال سبحانه : { كَلاَّ } ردعاً له عن هذا الافتراء والمراء على سبيل الإنكار والاستهزاء ؛ يعني : ما هذه الآيات البينات من المفتريات ، كما زعمها أولئك الغاة الطغاة الهالكين في تيه البغي والطغيان ، والغي والعدوان { بَلْ رَانَ } يعني : حدث في نفوسهم رين الغفلة ، وصداً الجهل والضلال ، وازداد وغلب حتى علا وأحاط { عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } فكسفها وكدرها إلى حيث أظلها وأسودها ، ولم يبق فيها لمعة من بياض نور الإيمان ، وما ذلك إلاَّ بسبب { مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ المطفيين : 14 ] من المعاصي ، والشهوات المذهبة لجودة الفطرة الأصلية ، والفطنة الجبلية التي فطروا عليها في أصل الخلقة . ثمَّ قال سبحانه : { كَلاَّ } ردعاً لهم على اقتراف الرين المصدئ لقلوبهم ، كيف يكسبونه ، مع أنهم جبلوا على فطرة الإيمان والتوحيد { إِنَّهُمْ } أي : أولئك المفسدون المسرفون { عَن رَّبِّهِمْ } الذي ربَّاهم لمصلحة المعرفة والإيمان { يَوْمَئِذٍ } أي : يوم اقتراف المعاصي الرائنة { لَّمَحْجُوبُونَ } [ المطففين : 15 ] عن الله ، وظهور نوره اللامع في صفائح الأنفس والآفاق ، مع أنه لا سترة له سبحانه ، ولا حجاب في حال من الأحوال ، إلاَّ أن خفافيش بقعة الإمكان لا يرون شمس ذاته اللامعة بواسطة غيوم هوياتهم الباطلة ، وتعيناتهم العاطلة . { ثُمَّ إِنَّهُمْ } بعدما حجبوا عن الله ، وحرموا عن مطالعة وجهه الكريم { لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } [ المطففين : 16 ] أي : داخلوها وخالدون فيها أبداً . { ثُمَّ يُقَالُ } لهم تعييراً وتشديداً لعذابه من قِبَل الحق حينئذٍ : { هَـٰذَا } العذاب هو العذاب { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ المطففين : 17 ] مصرون على تكذيبه وإنكاره ، بل مستهزئون به متهكمون .