Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 13-25)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ } في دار الدنيا { مَسْرُوراً } [ الانشقاق : 13 ] بطراً فرحاناً ، فخوراً بالمَّال والجاه ، والثروة والسيادة ، متفوقاً على الأقران ، يمشي على الأرض خيلاء . وإنما حمله عليه { إِنَّهُ ظَنَّ } بل تيقن جهلاً وعناداً { أَن لَّن يَحُورَ } [ الانشقاق : 14 ] أي : لن ينقلب ويرجع إلى الله ، ولن يقوم بين يديه سبحانه للحساب والجزاء ؛ لذلك أجترأ من المعاصي . ثمَّ قال سبحانه : { بَلَىٰ } ردعاً عما قبله ، وتصديقاً لما بعده على سبيل التعريض { إِنَّ رَبَّهُ } الذي ربَّاه على فطرة المعرفة ، وجبله على نشأة التوحيد { كَانَ بِهِ بَصِيراً } [ الانشقاق : 15 ] عالمّاً بتفاصيل أعماله الصادرة عنه على وجه الخبرة والبصارة ، بحيث لا يشذ عن حيطة علمه شيء من أعماله وأحواله ، فلا يهمله ، بل يعيده ويجازيه . ثمَّ قال سبحانه : { فَلاَ أُقْسِمُ } لإتيان يوم القيامة ، وإثبات ما فيها من الثواب والعقاب ، والجزاء والحساب وغير ذلك ؛ إذ هي أمور ظاهرة مكشوفة عند ذوي الكشف والشهود من أرباب المحبة والولاء ، الواصلين إلى بحر الوحدة ، وينبوع الحقيقة ، بل أقسم { بِٱلشَّفَقِ } [ الانشقاق : 16 ] المنبئ عن الشفقة والترحم الإلهي ، وهو البياض المعترض من أفق عالم اللاهوت عند انقضاء نشأة الناسوت ، حين حكم سبحانه بانطواء سجلات التعينات والهويات . { وَٱللَّيْلِ } أي : أُقسم بالليل ؛ أي : مرتبة العماء الإلهي { وَمَا وَسَقَ } [ الانشقاق : 17 ] أي : ضم وجمع من الأنوار المنعكسة إليها هياكل الأشباح . { وَٱلْقَمَرِ } أي : أُقسم أيضاً بالقمر ؛ أي : الوجود الكلي الإضافي ، المنبسط على مرآة ا لعدم المنعكس من شمس الذات الأحدية المتعشعشة ، المتجلية عن مطلع الفضاء اللاهوتية { إِذَا ٱتَّسَقَ } [ الانشقاق : 18 ] تم وعمم ، وشمل الكل ، وصار بدراً كاملاً بلا نقصان . { لَتَرْكَبُنَّ } أيها المكلفون ، ولتطرحن في نار القطيعة والحرمان { طَبَقاً } مجاوزاً { عَن طَبقٍ } [ الانشقاق : 19 ] بعيداً عنه ، متجاوزاً في شدة الأهوال والأقراع ، وبعد الغور والطور في الحرقة ، وأنواع العذاب والنكال . وبالجملة : بحق هذه المقسمات العظام لدخلتم في طبقات النيران لو كفرتم بالله وعصيتم أمره ، وخرجتم عن مقتضى حدوده وأحكامه . وبعدما سمعوا ما سمعوا من الصادق الصدوق { فَمَا لَهُمْ } أي : أيّ شيء عرض عليهم ولحقهم { لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الانشقاق : 20 ] ولا يتصفون بالانقياد والتسليم ، سيما بعد ورود الزواجر والروادع من قِبَل الحق على ألسنة الرسل والكتب . { وَ } من كمال غفلتهم عن الله ، وضلالهم عن سنن الهداية والرشاد { إِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ } المبين لطريق الحق ، وسبيل الإيمان والعرفان { لاَ يَسْجُدُونَ } [ الانشقاق : 21 ] لا يخضعون والايتذللون ، مع أنه إنما نزل ؛ لهدايتهم وإرشادهم عناداً ومكابرةً ، فكيف التذلل والخضوع ؟ ! { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } [ الانشقاق : 22 ] به وبمنزله ، وبمن أُنزل إليه جميعاً . { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المطلع بما في ضمائر عباده { أَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { بِمَا يُوعُونَ } [ الانشقاق : 23 ] أي : بعموم ما يضمرونه في نفوسهم من الكفر والكفران ، وأنواع البغي والعدوان ، والغفلة والطغيان ، يجازيهم على مقتضى علمه بهم ، وخبرته بما في نفوسهم . وبالجملة : { فَبَشِّرْهُمْ } يا أكمل الرسل بشارة على سبيل التهكم والاستهزاء { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الانشقاق : 24 ] نازل عليهم حين أُخذوا بعصيانهم وآثامهمه . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } منهم ، وخرجوا عن ورطة الطغيان مستمسكين بعروة الإيمان ، متشبثين بحبل القرآن { لَهُمْ أَجْرٌ } عظيم { غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ الانشقاق : 25 ] أي : غير مقطوع ومنقوص ، إن أخلصوا في إيمانهم وإذعانهم . اصنع بنا ما أنت به أهل يا مولانا . خاتمة السورة عليك أيها الموحد المحمدي ، المجبول على فطرة الإيمان والعرفان - مكنك الله فيما يسّر لك ، وثبتك عليه - أن تتمسك بحبل التوفيق الإلهي ، وتتشبث بأذيال همم أرباب التحقيق من الأنبياء والرسل الهادين المهديين ، والأولياء الألباء المهتدين لهدايتهم ؛ إذ هم خلاصة الوجود ، وزبدة أرباب الكشف والشهود . فلك أن تتخلق بأخلاقهم ، وتقتفي بآثارهم المأثورة عنهم ، وتسترشد من المرشد الرشيد الذي هو القرآن المجيد الموصل لأرباب التوفيق إلى زلال التوحيد ، والمسقط لأنواع التقاليد الراسخة في قلوب أصحاب الغفلة والتخمين . فلك أن تتأمل ظاهره وباطنه ، وحده ومطلعه ؛ حتى تتوسل بها إلى ما فوقها من الرموز التي وهبها سبحانه ، وجاد بها لبعض النفوس القدسية الفانية في قدس الذات الباقية ببقائها . جعلنا الله من خدامهم وتراب أقدامهم .