Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-12)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذَا ٱلسَّمَآءُ } أي : سماء عالم الطبيعة والأركان { ٱنشَقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ] وانخرقت لتصعد وتعرج الأرواح الفائضة إلى الأشباح نحو سماء الأسماء والصفات بعد خرق التعينات ، ورفع الإضافات . { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } أي : أصغت وانقادت لحم ربها وأمره الذي مضى على انشقاقها { وَ } بعدما أمرت { حُقَّتْ } [ الانشقاق : 2 ] لها ، ولاقت بحالها أن امتثلت بالمأمور وانقادت . { وَإِذَا ٱلأَرْضُ } أي : أرض الطبيعة والهيولي القابلة المجبولة لانعكاس تأثيرات سماء الأسماء والصفات { مُدَّتْ } [ الانشقاق : 3 ] امتدت وانبسطت لقبول مطاويها . { وَأَلْقَتْ } أخرجت فظهرت { مَا فِيهَا } من التقوى المودعة القابلة لفيضان أنوار الذات { وَتَخَلَّتْ } [ الانشقاق : 4 ] عن حفظ الأمانات بالإلهية . { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } في الإلقاء والتخلية { وَحُقَّتْ } [ الانشقاق : 5 ] لها للاستئذان والإصغاء ، ولاقتضاء مرتبة العبودية ذلك ، حينئذٍ انكشفت لها جزاء ما كسبت واقترفت في نشأة الاختبار . ثمَّ نادى سبحانه الإنسان نداء تنبيه وتخطية ، وتحريك حمية فطرية ، وسلسلة جبلية فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ } المصور على صورة الرحمن ، المنتخب من بين سائر المظاهر لحكمة الخلافة والنيابة ، ومصلحة المعرفة في التوحيد ، فاعرف قدرك ، ولا تغفل عن حقيقتك { إِنَّكَ كَادِحٌ } ساعٍ للتقرب والتوحيد { إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } وسعياً منتهياً إلى إفناء هويتك في هوية الحق ، وبالجملة : { فَمُلاَقِيهِ } [ الانشقاق : 6 ] يعني : أنت ملاقٍ ربك بمقتضى سعيك واجتهادك ، فلك ألاَّ تفترق ما يوصلك إليه ، ويفنيك فيه بعد جذب من جانب الحق ، وتوفيق من لدنه ؛ لتكون من أرباب اليمن والكرامة ، الموسومين بأصحاب اليمين ، المؤتين لهم صحف أعمالهم من قِبَل أيمانهم التي هي علامة إيمانهم وعرفانهم . { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ } المطوي المشتمل على تفاصيل ما صدر عنه { بِيَمِينِهِ } [ الانشقاق : 7 ] الذي هو عنوان اليُمن والكرامة والرضوان . { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } [ الانشقاق : 8 ] سهلاً سريعاً . { وَيَنقَلِبُ } ويرجع بعد الحساب { إِلَىٰ أَهْلِهِ } الذي هم رفقاؤه في سبيل السعادة والكرامة { مَسْرُوراً } [ الانشقاق : 9 ] مبسوطاً فرحاناً . { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } [ الانشقاق : 10 ] الذي هو عنوان الشقاوة ، ودليل العتاب والعقاب ، وأنواع الملامة والندامة . { فَسَوْفَ يَدْعُواْ } ويتمنى { ثُبُوراً } [ الانشقاق : 11 ] ويلاً وهلاكاً ؛ لصعوبة حسابه ، وغلبة سيئاته على حسناته . { وَ } بالآخرة { يَصْلَىٰ } ويطرح صاغراً ذليلاً { سَعِيراً } [ الانشقاق : 12 ] مسعراً بنيران الشهوات والغفلات الصادرة منه بمتابعة الأوهام والخيالات ، وأنواع الضلال والجهالات الناشئة من القوى البهيمية الحاصلة من طغيان الطبيعة .