Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 11-17)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ أقسم سبحانه بما أقسم ؛ لإثبات حقية القرآن وفضله ، وكونه بريئاً عن قدح القادحين ، وطعن الطاعنين فقال : { وَٱلسَّمَآءِ } أي : وحق سماء الأسماء اللاهوتية التي هي في أعلى درجات الارتفاع { ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } [ الطارق : 11 ] والعود ؛ إذ تدور على هياكل عالم الناسوت طرفة ، وترجع في الحال ، كالبرق الخاطف آثارها إلاَّ لأرباب العناية من البدلاء الذين بُدِّلت لوازم ناسوتهم في المرة بخواص اللاهوت ، ولا تدوم وتستقر . { وَٱلأَرْضِ } أي : أرض الطبيعة والهيولى القابلة لانعكاس ما لمع عليها من سماء الأسماء { ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } [ الطارق : 12 ] أي : التأثر والتشقق بقبول أثر مؤثرات عالم اللاهوت . يعني : وبحق هذين القسمين العظيمين { إِنَّهُ } أي : القرآن { لَقَوْلٌ فَصْلٌ } [ الطارق : 13 ] فاصل بين الحق والباطل ، والهداية والضلال . { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } [ الطارق : 14 ] كما زعمه المسرفون المفرطون في شأنه ، بل هو جدّ كله ، صدر عن حكمة بالغة إلهية لمصلحة الهداية والرشاد لعموم العباد ، وبالجملة : { إِنَّهُمْ } يعني : طغاة مكة { يَكِيدُونَ كَيْداً } [ الطارق : 15 ] ويمكرون مكراً في إبطال القرآن وإطفاء نوره مراءً ومكابرةً ، فيرمونه بأنواع القدح والطعن الفائض على عموم الأعيان ، وينسبونه إلى ما لا يليق بشأنه . { وَأَكِيدُ } أيضاً في أخذهم وانتقامهم بعدما استحقوا الأخذ والانتقام { كَيْداً } [ الطارق : 16 ] على سبيل الاستدراج والإمهال ، بحيث لا يحتسبون ، بل يحملون إمهالنا على الإهمال ؛ لذلك يغترون ويجترئون في قدحه وطعنه . وبعدما سمعت ما سمعت يا أكمل الرسل { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ } أنت أيضاً ، ولا تستعجل بانتقامهم ، ولا تشتغل بالدعاء عليهم سريعاً ؛ إذ إمهالنا إياهم ابتلاء منَّا لهم وفتنة جالبة لمصيبة عظيمة ، ومتى تحققت يا أكمل الرسل ما قلنا لك { أَمْهِلْهُمْ } وأعرض عن المراء والمجادلة معهم ، وانتظر لمقتهم ، وترقب لهلاكهم { رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] إمهالاً يسيراً في زمان قليل ، وسيظهر عن قريب دينك على عموم الأديان ، وهم يقهرون ويستأصلون . جعلنا الله ممن صبر وظفر على مبتغاه بمنه ولطفه . خاتمة السورة عليك أيها المتوكل على الحق ، المتبتل نحوه بالعزيمة الخالصة أن تفوض عموم أمورك إلى ربك ، بحيث لا يخطر ببالك أن تلتفت إلى تحصيلها باستدراك ، وتتخذه كفيلاً حسيباً ، كافياً بجميع حوائجك وأشغالك . وبالجملة : كن فانياً في الله يكفيك جميع مؤنك ؛ إذ الكل بالله ومن الله وفي الله ، بل أنت ما أنت ، بل أنت هو ، بل هو هو ، لا حول ولا قوة إلاَّ بالله { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ القصص : 88 ] .