Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-10)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلسَّمَآءِ } أي : وحق سماء الأسماء اللاهوتية ، المصونة عن مطلق التغيير والزوال ، المتعالية عن مدارك الوهم ومشاعر الخيال { وَ } بحق { ٱلطَّارِقِ } [ الطارق : 1 ] الذي يتخطف منها على آحاد الرجال بعدما هاجروا عن بقعة الناسوت متشمرين بالعزيمة الخالصة نحو فضاء اللاهوت بمقتضى الجذب الجبلي ، والميل الفطري المعنوي . ثمَّ أبهمه سبحانه على حبيبه تعظماً وتفخيماً فقال : { وَمَآ أَدْرَاكَ } أيها المظهر الكامل اللائق لفيضان الطوارق اللاهوتية { مَا ٱلطَّارِقُ } [ الطارق : 2 ] حين كانت مقيداً في عالم الناسوت ، وبعدما أطلقك الحق عن قيود عالم الناسوت عرفت أن الطارق الذي يطرقك من عالم اللاهوت والجبروت . { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } [ الطارق : 3 ] أي : الجذبة المضيئة الأحدية ، اللامعة المتشعشعة ، الناشئة من عالم العماء الذي هو محل كمال الجلاء والانجلاء الذاتي ، والجذوة المشتعلة الساقطة من نار العشق والمحبة المفرطة الإلهية إلى شجرة ناسوتك ، القائلة لك بعدما أمرك بالانخلاع عن كسوة ناسوتك : { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } [ طه : 12 ] . واطرح لوازم نشأتك بعدما سمعت ما سمعت يا أكمل الرسل ، فاسترح في مقعد صدقك عند ربك { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } [ طه : 12 - 13 ] لمظهرية المعارف والحقائق { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } [ طه : 13 ] إليك الآيات البينات لمراسم التوحيد واليقين . وبالجملة : وحق هذين القسمين العظيمين { إِن كُلُّ نَفْسٍ } أي : ما كل نفس من النفوس الزكية والخبيثة { لَّمَّا } أي : إلاَّ { عَلَيْهَا حَافِظٌ } [ الطارق : 4 ] من قِبَل الحق ، يحفظ لها أقوالها وأفعالها وأحوالها ، وحالاتها ومقاماتها ؛ حتى لا يدفعها ويسلمها إلى المقادير التي حصل منها ، وصدر على طبقها حتى جوزيت على مقتضاها . وبعدما سمع الإنسان ما سمع من الحكمة العليَّة الإلهية { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ } المركب من الجهل والنسيان ، وليتأمل في منشئة { مِمَّ خُلِقَ } [ الطارق : 5 ] يعني : فليراجع وجدانه ، ولينظر مبدأه ومنشأه ؛ حتى يظهر له من أيّ شيء قدر وجوده ، فعرف قدره ، ولم يتعد طوره . { خُلِقَ مِن مَّآءٍ } مهين مسترذل { دَافِقٍ } [ الطارق : 6 ] مدفوق مصبوب في الرحم على وجه التلذذ والاضطراب من كلا الجانبين . مع أنه { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } [ الطارق : 7 ] أي : من ظهر الرجل وصدر المرأة . وبعدما تأمل الإنسان في مبدئه ، وعرف أصل منشئه تفطن منه أن وفقه الحق إلى قدرة الصانع العليم ، الحكيم الذي خلقه من هاتين الفضلتين الخبيثتين ، وربَّاه إلى أن صار بشراً سوياً ، قابلاً لفيضان أنواع المعارف والحقائق ، لائقاً للخلافة الإلهية ، مهبطاً للوحي والإلهام . وتفطن أيضاً ، بل جزم وتيقن أن من قدر على خلقه وإيجاده ابتداءً { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ } وإعادته وبعثه من القبور { لَقَادِرٌ } [ الطارق : 8 ] ألبتة ، فكيف ينكر قدرته سبحانه على البعث والحشر ، مع أن الإعادة أهون عنده من الإبداء ؟ ! تأملوا أيها المجبولون على فطرة العبرة والتكليف { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [ الطارق : 9 ] وتكشف الساتر ، ويظهر ما خفي في الضمائر من الإنكار والإصرار ، وفواسد النيات والأعمال . { فَمَا لَهُ } أي : للإنسان حينئذٍ { مِن قُوَّةٍ } يدفع عن نفسه ما يترتب على أعماله وأحواله من العذاب والعقاب على وجه الجزاء { وَلاَ نَاصِرٍ } [ الطارق : 10 ] يدفعه عنه وينصره ؛ إذ كل نفس يومئذٍ رهينة بما كسبت ، مشغولة بجزاء ما جرت خيراً كان أو شراً .