Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 10-19)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولا تيأس يا أكمل الرسل من مبالغتهم في الإعراض والانصراف عنك وعن تذكيرك إنه { سَيَذَّكَّرُ } ويتعظ بتذكيرك { مَن يَخْشَىٰ } [ الأعلى : 10 ] عن بطش الله ، وعن كمال قدرته على وجوه الانتقام . وبعدما تأملت في القرآن مراراً ، وتدبرت في فحاويه تكراراً ، تنبه على حقيقته ، فتذكر به وامتثل بما فيه { وَيَتَجَنَّبُهَا } أي : يعرض عنها وعن سماعها ؛ يعني : الذكر والعظة التي هي القرآن { ٱلأَشْقَى } [ الأعلى : 11 ] أي : الكافر ، الذي جبل على فطرة الشقاوة وجبلة الجهل والغباوة . { ٱلَّذِى يَصْلَى } ويدخل في النشأة الأخرى { ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } [ الأعلى : 12 ] التي هي بأضعاف نار الدنيا في الحرقة والحرارة ، لذلك قال : " كبرى " أو في الدرك الأسفل منها وهو أكبرها . { ثُمَّ } بعدما دخل في نار القطعية والحرمان بأنواع الخيبة والخذلان { لاَ يَمُوتُ فِيهَا } يعني : يستريح { وَلاَ يَحْيَا } [ الأعلى : 13 ] حياة نافعة طيبة كسكان بقعة الإمكان ، الداخلين في نيران الشهوات ودركات الأماني والآمال ، لا يموتون حتى يستريحوا ، ولا يحيون بلا منية إلاَّ منية وغل الأمل وسلسلة الحرص . وبالجملة : هم معذبون في عموم الأوقات والأحوال ، لا نجاة لهم عنه ما داموا في قيد الحياة ، وبعدما ماتوا بأنواع الحسرات ، سيصلون في أسفل الدركات وأصعب العقوبات . هب لنا جذوة من نار المحبة ، تنجينا عن نيران الإمكان في النشأة الأولى والأخرى . ثمَّ قال سبحانه على سبيل التنبيه { قَدْ أَفْلَحَ } وفاز بالدرجة القصوى والمرتبة العليا { مَن تَزَكَّىٰ } [ الأعلى : 14 ] وتطهر عن أدناس الطبائع وأكدار الهيولى من الميل إلى الدنيا وما فيها من اللذات الفانية ، والشهوات الغير الباقية ، وتوجه نحو المولى بالعزيمة الخالصة . { وَذَكَرَ } في أوائل الطلب ومبادئ الإرادة { ٱسْمَ رَبِّهِ } أي : جنس الأسماء الإلهية متفطناً بمعناها ، يقظان فرحان متشوقاً { فَصَلَّىٰ } [ الأعلى : 15 ] ومال نحوه سبحانه في الأوقات المأمورة المحفوظة ، محرماً على نفسه عموم مبتغاه من دنياه . { بَلْ } هؤلاء الحمقى الهلكى التائهون في تيه الضلال ، المغلولون بأغلال الأماني والآمال { تُؤْثِرُونَ } وتختارون { ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } [ الأعلى : 16 ] المستعارة الفانية على الحياة الحقيقة الأخروية الباقية ؛ لذلك يجمعون أسباب الفساد والإفساد ، ولا يتزودون ليوم الميعاد . { وَ } الحال أنها ؛ أي : { ٱلآخِرَةُ } وما وعد فيها من اللذات الروحانية الباقية { خَيْرٌ } مما في الدنيا وأمانيها { وَأَبْقَىٰ } [ الأعلى : 17 ] وأدوم بحيث لا انقطاع لها . { إِنَّ هَـٰذَا } الذي وعظك الحق به يا أكمل الرسل ، ووصاك بالفلاح { لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } [ الأعلى : 18 ] أي : مثبت ، مسطور على وجهه ، وتلك الصحف { صُحُفِ } جدك يا أكمل الرسل { إِبْرَاهِيمَ } الفائق في الخلة والفلاح على عموم أرباب الصلاح والنجاح { وَمُوسَىٰ } [ الأعلى : 19 ] الكليم الفائز من عند الله بالفوز العظيم ، وهو مرتبة التكليم مع الله العزيز العليم . جعلنا الله من خدَّامهم وتراب أقدامهم . خاتمة السورة عليك أيها الطالب للفلاح الأخروي الحقيقي والنجاح المعنوي أن تزكي أولاً نفسك عن مطلق الرذائل العائقة عن التوجه الحقيقي نحو الحق ، وتصفي سرك عن الميل إلى مزخرفات الدنيا الدنية وأمانيها الغير الهنية ، فلك أن ترغب نفسك عن مقتضيات الإمكان ، ولا تغريها إلى لذاتها وشهواتها ، فعليك أن تلازم الخلوة والخمول ، وتجتنب عن أصحاب الثروة والفضول حتى يعينك الحق إلى التلقي بالقبول بما يوجبك الفلاح والفوز بالنجاح . افتح لنا أبواب رحمتك إنك أنت الفتاح .