Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-9)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَبِّحِ } يا من غرق في تيار بحث زخَّار الوجود ، وتلاشى في لمعات شمس الشهود { ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [ الأعلى : 1 ] وإن لم يبق لك التوسل بمطلق الأسماء ، بعدما فنيت في المسمى . ثمَّ تذكر حصة عبوديتك نعمه الواصلة إليك بعدما فزت بخلع البقاء ، وتذكيراً استحضاراً لمَّا جرى عليك من الشئون والأطوار في نشأة ناسوتك ؛ إذ هو سبحانه القادر { ٱلَّذِي خَلَقَ } وأوجد عموم ما خلق وأظهر { فَسَوَّىٰ } [ الأعلى : 2 ] خلق الكل بحوله وقوته ، مع ما يتعلق به ، ويترتب عليه في معاشه ومعاده . { وَ } هو { ٱلَّذِي قَدَّرَ } المقادير ودبر التدابير وأحسن التصاوير وأودع فيها ما أودع من الاستعدادات والقابليات الجالبة لأنواع الكمالات ، وبعدما عدلها وهيأها { فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 3 ] أي : هدى الكل إلى ما جبلوا لأجله بوضع التكاليف المشتملة على الأوامر والنواهي ، والأحكام الواجبة والمندوبة ، والأخلاق المرضية والآداب السنية ؛ ليتمرنوا على الأمور المذكورة ويترسخوا فيها بالعزيمة الخالصة حتى يفيض عليهم طلائع سلطان الوحدة الذاتية المنقذة لهم عن ورطة الناسوت ، الموصلة إلى فضاء اللاهوت . { وَ } هو سبحانه { ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ } بكمال قدرته { ٱلْمَرْعَىٰ } [ الأعلى : 4 ] أي : أنبت وأظهر المرعى الحاصل في مرتع الدنيا بأجناسها وأنواعها وأصنافها ؛ تتميماً لتربية دواب الطبائع وحوامل الأركان القابلة لتأثيرات عالم الأسماء والصفات ؛ ليتقوموا بها ويستعدوا لفيضان المعارف والحقائق ، وأنواع الكمالات اللائقة التي هم جُبلوا لأجلها . وبعدما حصل لهم ما حصل من الكمالات المنتظرة في نشأة الناسوت { فَجَعَلَهُ } سبحانه مرعى العالم مع كمال نضارتها وبهائها في نظر شهود أولي الألباب ، الناظرين ينور الله من وراء سدل الأسماء والصفات { غُثَآءً } يابساً ، بل سراباً باطلاً بعدما تحققوا بمقر التوحيد ، ورفعوا وسائل الأوصاف والأسماء عن البين ، فصار الكل حينئذٍ هباء { أَحْوَىٰ } [ الأعلى : 5 ] عدماً لا يبقى ، أسود موحشاً مظلمّاً ، بعدما كان أخضر مفرحاً . ثمَّ التفت سبحانه نحو حبيبه صلى الله عليه وسلم على سبيل التفضل والامتنال فقال على وجه الوصاية والتذكير : { سَنُقْرِئُكَ } ونجعلك قارئاً مراقباً على وجوه الوحي والإلهام النازل من لدنا عليك ، مع أنك أمي لم يعهد منك أمثالها { فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] يعني : عليك أن تضبط هذه النعمة وتحفظها على وجهها ، وتواظب على أداء شكرها بلا فوت شيء منها وزيادة عليها وتحريف فيها . { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } العليم الحكيم نسيانه منك بأن نسخ تلاوته أو حكمه أو كلاهما على مقتضى حكمته المتقنة المستحكمة ومصلحته ، وبعدما سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت فدم عليها ، ولا تغفل سراً وجهراً ، وحالاً ومقالاً عنها { إِنَّهُ } سبحانه { يَعْلَمُ } منك { ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } [ الأعلى : 7 ] أي : ظاهرك وباطنك ؛ يعني : ما امتثلت بظاهرك من مقتضيات الوحي الإلهام ، وبباطنك من الإخلاص في النيات والحالات والخلوص في العزائم والمقامات . { وَ } اعلم يا أكمل الرسل أنَّا بمقتضى عظيم جودنا معك { نُيَسِّرُكَ } ونوفقك على التدين والتحفظ بمقتضيات الوحي { لِلْيُسْرَىٰ } [ الأعلى : 8 ] أي : للطريقة السلهة السمحة البيضاء . وبعدما يسرنا لك وسلهنا عليك طريق الهداية والإرشاد { فَذَكِّرْ } يعني : عظ بالقرآن وبين الأحكام الموردة فيه للناس { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } [ الأعلى : 9 ] أي : سواء نفعت عظتك وتذكيرك إياهم أو لم تنفع ؛ إذ ما عليك إلاَّ البلاغ ، وعلينا الحساب .