Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 24-30)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما جزم أنه لا نفع يومئذ لتذكرة { يَقُولُ } متميناً على وجه الحسرة والندامة : { يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ } في الابتلاء والاختبار { لِحَيَاتِي } [ الفرج : 24 ] ونجاتي في هذا اليوم . وبالجملة : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } [ الفجر : 25 ] أي : لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما عذب هو نفسه بالحسرة والندامة وأنواع الكربة والكآبة والخذلان . { وَلاَ يُوثِقُ } ويحكم { وَثَاقَهُ } ونكاله { أَحَدٌ } [ الفجر : 26 ] مثل ما أوثقه وأحكمه هو على نفسه بأنواع الخيبة والخسران والغصة والحرمان ؛ إذ العذاب الروحاني الطارئ من الندامة والخذلان لا يُقال شدة تأثيره إلى سائر العذاب الجسماني . ثمَّ أشار سبحانه إلى حُسن أحوال أرباب العناية والكرامة يومئذ من المؤمنين الموقنين الذين تزودوا في النشأة الأولى للأخرى ، واتصفوا بالتقوى ، ولم يعصوا في مدة أعمارهم إلى المولى ، ولم يتبعوا الهوى ، واطمأنوا ووطّنوا نفوسهم بما جرى عليهم من مقتضيات الانقضاء ، وبالجملة : لم يضطربوا في السراء والضراء ، ولم يبالوا في الشدة والرخاء ، فيقال لهم يومئذ : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } [ الفجر : 27 ] المتقررة المتمكنة بمقام الرضا والتسليم . { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } واصعدي على الطريق الذي هبطت عنه { رَاضِيَةً } متصفة بالرضا كما كنت راضية بالقضاء في النشأة الأولى { مَّرْضِيَّةً } [ الفجر : 28 ] مقبولة مكرمة عند المولى . وبعدما رجعت على الوجه المذكور { فَٱدْخُلِي فِي } زمرة { عِبَادِي } [ الفجر : 29 ] الذين وصلوا إلى كنف جواري ، وحصلوا في مقعد الصدق لدي . { وَ } بالجملة : { ٱدْخُلِي جَنَّتِي } [ الفجر : 30 ] أي : جنة وحدتي واستريحي في خلوة لاهوتي . جعلنا الله ممن خوطب بهذا الخطاب المستطاب ، إنه هو الملهم للصوةاب ، وعنده حسن المآب . خاتمة السورة عليك أيها الموحد المترقب بهذا النداء ، والمحب المترصد لسماع هذا الصدى أن تكون في عموم أوقاتك على حضور مع ربك ، بحيث لا يشغلك عنه سبحانه الالتفات إلى غيره مطلقاً من الميل إلى الدنيا وأمانيها وعموم ما فيها ، بل تكون مطمئناً راضياً بما جرى عليك من مقتضيات القضاء ، مفوضاً أمورك كلها إليه على وجه التسليم والرضا ، متوجهاً بالعزيمة الخالصة نحو المولى ، حتى تكون مخاطباً بهذا الخطاب المستطاب في كل نفس من أنفاسك التي جرت عليك في عموم أوقاتك وحالاتك . وبالجملة : لا تغفل عن الله مطلقاً تقر بتشريف أمثال هذه الخطابات العلية والكرامات السنية . جعلنا الله من زمرة المستيقظين المطمئنين .