Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 75-80)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمِنْهُمْ } أي : من المنافقين { مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ } مالاً ، وأعطانا رزقاً كثيراً { لَنَصَّدَّقَنَّ } منها للفقراء المستحقين { وَلَنَكُونَنَّ } بالبذل والإنفاق ، أداء الشكر { مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ التوبة : 75 ] الشاكرين المنفقين ، طلباً لمراضاة الله . { فَلَمَّآ آتَاهُمْ } الله { مِّن فَضْلِهِ } ما طلبوا منه { بَخِلُواْ بِهِ } ومنعوا حق الله منه { وَتَوَلَّواْ } عن امتثال أمر الله وإطاعة رسوله { وَّهُمْ } قوم { مُّعْرِضُونَ } [ التوبة : 76 ] عادتهم الإعراض عن إطاعة الله ورسوله ؛ لخبث طينتهم . { فَأَعْقَبَهُمْ } الله بسبب فعلهم هذا { نِفَاقاً } راسخاً متمكناً { فِي قُلُوبِهِمْ } مستمراً { إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } أي : الله سبحانه في يوم الجزاء ، فيجازيهم على مقتضى نفاقهم وشقاقهم أسوأ الجزاء ؛ ذلك { بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } من الصدق والصلاح ، والشكر والفلاح ، ونقضوا عهده { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } [ التوبة : 77 ] أي : ويكذبهم حين العهد والميثاق بلا موافقة من قبلهم . { أَلَمْ يَعْلَمُواْ } حين همُّوا إلى القول الكذب مع الله { أَنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائرهم { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { سِرَّهُمْ } إي : إخلافهم الوعد من حصول المطلوب { وَنَجْوَاهُمْ } أي : مناجاتهم معه لا عن إخلاص ناشئ من محض المعرفة والإيمان بالله ، والإقرار بربوبيته ؛ لرسوخ الكفر والشرك في جبلتهم { وَ } لم يعلموا أيضاً { أَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [ التوبة : 78 ] لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، فمن آمن بتوحيده وإحاطة علمه وقدرته ، كيف خرج عن أمره وإطاعته ؟ . ومن المنافقين المصرين على النفاق والشقاق مع المؤمنين ، هم { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } ويتسهزئون { ٱلْمُطَّوِّعِينَ } المتطوعين { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي } إعطاء { الصَّدَقَاتِ } خصوصاً المؤمنين { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ } من الصدقة { إِلاَّ جُهْدَهُمْ } أي : يبذلون مقدار طاقتهم ؛ طلباً لمرضاة الله { فَيَسْخَرُونَ } أولئك اللامزون المستهزئون { مِنْهُمْ } أي : من الذين بذلوا جهدهم في أمر الصدقة { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } في الآخرة ؛ مجازاة على سخريتهم هذه { وَلَهُمْ } فيها { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ التوبة : 79 ] بدلَّ لذتهم بسخريتهم . وذلك أنه صلى الله عليه وسلم حثَّ المؤمنين يوماً على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف دينار وقال : لي ثمانية آلاف فأقرضت ربي أربعة آلاف ، وأمسكت لعيالي أربعة ، فقال : صلى الله عليه وسلم : " بارك الله لك فيما أعطيت ، وفيما أمسكت " . وأتى عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر ، وجاء عقيل الأنصاري بصاع تتمر ، فقال : بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر ، وتركت صاعاً لعيالي ، وأتيت بالآخر ، فأمره صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات تبركاً ، فلمزهم المنافقون ، فقالو : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ، ولقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع عقيل ، ولكنه أحب أن يعد نفسه مع المتصدقين فنزلت . { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } يا أكمل الرسل لهؤلاء اللازمين المستهزئين ، المستسخرين من المؤمين بإنقاذهم من العذاب أو تخفيفه { أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } سواء عند الله في انتقامهم وعذابهم ، بل { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } لا مرة ولا مرتين ، بل { سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } ألبتة ؛ لعظم جرمهم وفسقهم { ذٰلِكَ } أي : عدم غفرانهم { بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ } وأشركوا معه غيره في الألوهية ، مع أنه منزه عن الشريك مطلقاً { وَرَسُولِهِ } أي : كذبوا رسوله ، وبما جاء به من عند ربه ، واستهزءوا بالمؤمنين المصدقين له ، المتصفين في سبيل الله { وَٱللَّهُ } الهادي لعباده { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 80 ] عن مقتضى أوامر الله ونواهيه المسيئين الأدب مع الله ورسوله والمؤمنين .