Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 97-100)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه : { ٱلأَعْرَابُ } أي : أهل الوبر المترددون في البوادي ، المنهمكون في الغي والضلال والعتو والفساد { أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } من أهل المدر المستأنسين مع العقلاء ، المستفيدين منهم { وَ } لشدة شكيمة أولئك الأعراب وجهلهم ، وعدم قابليتهم { أَجْدَرُ } اي : أحق أليق { أَلاَّ يَعْلَمُواْ } أي : ألا يعلموا { حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } المدبر المصلح لأحوال عباده { عَلَىٰ رَسُولِهِ } النائب عنه ، المتكلف لإرشاد عباده بإقامة حدوده المنزلة من الأوامر والنواهي المستلزمة ؛ لتأديبهم في معاشهم ومعادهم ؛ إذ هم في غاية البعد عن الهداية والصلاح وتحمل التكاليف الإلهية { وَٱللَّهُ } المطلع لسرائر عباده { عَلِيمٌ } باستعداداتهم الكامنة فيهم { حَكِيمٌ } [ التوبة : 97 ] في إلزام التكليف عليهم . { وَمِنَ } منافقي { ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ } أي : بعد ويحسب { مَا يُنفِقُ } بأمر الله في سبيله { مَغْرَماً } أي : غرامةً وخسراناً ؛ لعدم إيمانه واعتقاده بترتب الثواب عليه ، بل إنما ينفق رياءً وتقيةً { وَ } من خباثة باطنه { يَتَرَبَّصُ } أي : يترقب وينتظر { بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } أي : نوائب الزمان الدائرة عليكم ؛ لينقلب الأمر ويتحول الحال ، ويخلص من الإنفاق بالنفاق ، بل يدور { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } على عكس مرامهم دائماً متجدداً ، مستمراً { وَٱللَّهُ } الرقيب عليهم { سَمِيعٌ } لمناجاتهم { عَلِيمٌ } [ التوبة : 98 ] بنياتهم وحاجاتهم تدبر عليهم ما يتربصون بكم من الدوائر . { وَمِنَ } مخلصي { ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } أي : يوقن ويذعن بتوحيده { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي : يصدق باليوم الآخر المعد لجزاء الأعمال ، وترتب المثوبات بالقربات والصدقات { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } في سبيل الله { قُرُبَاتٍ } ونيل مثوبات ورفع درجات { عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } أي : بسبب استغفاره ودعائه له { أَلاۤ إِنَّهَا } أي : ما يتصدقون بها أولئك المؤمنون ، المخلصون ، المتقربون { قُرْبَةٌ لَّهُمْ } وسبب وصولهم إليه { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ } الموفق له ، الرقيب عليهم { فِي } سعة { رَحْمَتِهِ } وجوده بعد انقضاء النشأة الأولى { إِنَّ ٱللَّهَ } المصلح لأحوالهم { غَفُورٌ } لما صدر عنه من المعاصي قبل إيمانهم { رَّحِيمٌ } [ التوبة : 99 ] لهم ، يقبل منهم بعد إيمانهم وإخلاصهم ما يتقربون به لمرضاته . { وَٱلسَّابِقُونَ } في الإيمان ، المبادرون إلى التصديق وقبول الأحكام { ٱلأَوَّلُونَ } الأقدمون بمتابعة الرسول { مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ } الذين هاجروا من مألوفات نفوسهم ومتشهيات طباعهم إلى الفناء في الله { وَٱلأَنْصَارِ } الأبرار الذين سلكوا نحو الحق بالرياضات المجاهدات الشاقة المزيحة لدرن التعلقات ورين الإضافات ، المانعة من التوجه الحقيقي . { وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم } واقتفوا أثرهم من أهل الطلب والإرادة { بِإِحْسَانٍ } أي : بلا تمايل إلى الرياء والسمعة والعجب ، أولئك المبرورون ، المقبولون { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } لتحققهم بمرتبة الإخلاص والتسليم { وَرَضُواْ عَنْهُ } لإصالهم إلى مقر التوحيد وفضاء الفناء المثمر للبقاء الأبدي والحياة السرمدية { وَأَعَدَّ لَهُمْ } سبحانه في حوزة حمايته وروضة بقائه { جَنَّاتٍ } منتزهات { تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ } من العلوم والمعارف { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } لا يتحولون عنها أصلاً { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ التوبة : 100 ] واللطف الجسيم لأهل العناية من أرباب الولاية والمحبة ، المنخلعين عن جلباب ناسوتهم مطلقاً .