Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-10)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [ البلد : 1 ] الذي هو كعبة آمال أرباب الإرادة والطلب ؛ ألا وهو السواد الأعظم اللاهوتي ؛ إذ لا حاجة بالقسم لأرباب المعرفة ، بل أقسم لأصحاب الغفلة { بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } يعني : مكة - شرَّفها الله - التي وضعت بيتاً حراماً ، لا يحل لأحد أن يفعل فيها شيئاً من المحظرات المباح . { وَ } من جملة خواصك التي اصطفيناك وميزناك بها عن سائر الناس يا أكمل الرسل هي أنه : { أَنتَ حِلٌّ } يعني : أنت لجمعك وجامعيتك وحيازة مرتبتك عموم المراتب ، مستحل للتعرف خاصة للقتل والأسر في الحرم من بين عموم الناس ؛ لمزيد فضليتك ومنزلتك عند الله ، وزيادة خصوصيتك { بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [ البلد : 2 ] الذي حرم على عموم العباد ، وإنما أُحل لك أيضاً ساعة من نهار لا أزيد منها ، وبعد ذلك يحرم لك أيضاً . { وَوَالِدٍ } أي : أقسم بالوالد الذي هو آدم الصفي عليه السلام في عالم الاهوت { وَمَا وَلَدَ } [ البلد : 3 ] منه في عالم الطبيعة بعد هبوطها إلى مضيق الناسوت . وبالجملة : بحق هذه المقسمات العظام { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } أي : أظهرنا نشأة ناسوته مغموراً { فِي كَبَدٍ } [ البلد : 4 ] تعب ومشقة كثيرة ، شاغلة لعموم حواسه ومداركه بحيث يستوعب ويحيط بجميع القوى والاَلات حوائج المعاش وأسبابه ، فاشتغل عن الله بسبب ذلك وترك أمر معاده ، فأخذه في كسب الأموال وجميع الحطام والآثام المبعدة عن الحكيم العلام ، فصار من غاية استغراقه بالدنيا نسي العقبى ، وزلت نعله عن طريق المولى . لذلك كذب وتولى ، واستكبر واستولى ، واستظهر بأمواله وأولاده ، واستعلى وترقى أمره في الغفلة والغرور إلى أن طغى على الله ، وبغى على عباده ، وخيل أنه لا يغلب ولا يعلى ، كما قال سبحانه مقرِّعاً عليه مسفهاً له : { أَيَحْسَبُ } المجبول على الكفر والنسيان { أَن لَّن يَقْدِرَ } أي : أنه لن يستطيع { عَلَيْهِ أَحَدٌ } [ البلد : 5 ] فينتقم عنه ويأخذه على ما صدر عنه من العتو والعناد . ومن كمال بطره وغروره ومفاخرته على بني نوعه { يَقُولُ } على سبيل الخيلاء والسمعة والرياء : { أَهْلَكْتُ } وأنفقت في سبيل الله { مَالاً لُّبَداً } [ البلد : 6 ] مالاً كثيراً ملبَّداً منضداً مجتمعاً متراكماً . { أَيَحْسَبُ } ويعتقد ذلك الأحمق { أَن } أي : أنه { لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } [ البلد : 7 ] أي : لم يعلم الله إنفاقه ونيته فيه ، واعتقاده عليه وإبطاله بالمن والأذى . وكيف يتأتى إنكار إطلاعنا إياه وإلى ما صدر عنه ؟ ! { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ } ولم نظهر في جسده حين صورناه بمقتضى حولنا وقوتنا وكمال قدرتنا { عَيْنَيْنِ } [ البلد : 8 ] ليبصر بهما عجائب صنعتنا وغرائب حكمتنا . { وَلِسَاناً } ليعرب ويترجم به ما جرى في خلده { وَشَفَتَيْنِ } [ البلد : 9 ] مبينين على التكلم والتعريب على وجه الإفصاح والتوضيح . { وَ } بالجملة : { هَدَيْنَاهُ } بإعطاء هذه النعم العظام { ٱلنَّجْدَينِ } [ البلد : 10 ] أي : طريقي الخير والشر ، والهداية والضلال ، واختبرناه بهما وابتليناه أيّ طريق يختار لنفسه بعدما وفقناه لكليهما ونبهناه عليهما ؟ !