Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 1-8)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱقْرَأْ } يا أكمل الرسل وتذكر بعدما أدركتك العناية ، وأحاطت عليك الكرامة الإلهية { بِٱسْمِ رَبِّكَ } أي : داوم على تذكر عموم أسماء مربيك { ٱلَّذِي خَلَقَ } [ العلق : 1 ] كل شيء ، وأظهره من كتم العدم حسب أسمائه وصفاته ، وربَّاه بأنواع اللطف والكرم وأباح عليه من جلائل النعم . سيما { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } وخصه من عموم الأكوان بمزيد الإنعام والإحسان ، مع أنه خلقه وقدر وجوده { مِنْ عَلَقٍ } [ العلق : 2 ] دماء معلوقة مسترذلة ، مكونة من مني مرذول ، مكون من الدم المسفوح ، المتكون من إجراء الأغذية . وبعدما أمر سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم بالقراءة ، وتعديد الأسماء وإحصاءها ، أمره بالقراءة ثانياً ؛ للتأمل والتدبر في معانيها ، والاستكشاف عن فحاويها ومرموزاتها فقال : { ٱقْرَأْ } قراءة تدبر وتعمق واستكشاف على ما في مطاويها من البدائع والغرائب المودعة فيها ، ولا تنظر إلى كونك أمياً لست من أهل الإملاء { وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } [ العلق : 3 ] الكامل الكرامة والهداية لأرباب العناية . { ٱلَّذِى عَلَّمَ } الخط والرقم { بِٱلْقَلَمِ } [ العلق : 4 ] الذي هو بمراحل عن التعلم والتفهم . لا تستبعد من كمال كرامته وعنايته ، تعلمك يا أكمل الرسل ؛ إذ هو سبحانه { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ } المصور على صورة الرحمن { مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ العلق : 5 ] من البيان والتبيان ، وأنواع طرق الكشف والعيان ، فأنت يا أكمل الرسل من أعز أفراد الإنسان شأناً ، وأعلاه شرفاً وبرهاناً ، وأرفعه قدراً ومكاناً . وبعدما أشار سبحانه إلى مبدأ الإنسان ومادته ، وإلى منتهاه وغايته ، تعجب سبحانه من حاله ، واستبعد ما صدر عنه من الطغيان والكفران والبغي والعدوان ، مع كمال عناية الله معه وكرامته إياه ، فقال على سبيل الردع والزجر : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ } المستحدث من الأقذار المهانة ، المترقي إلى نهاية الكرامة وأعلى المقامة { لَيَطْغَىٰ } [ العلق : 6 ] ويتجاوز عن حده ، ويستكبر على ربه ، وينسى أصل منشئه ؛ لأجل { أَن رَّآهُ } علم نفسه أنه { ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 7 ] أي : صار غنياً عن الله ، مستغنياً عن الافتقار إليه ، مستكبراً على عباده ، يمشي على وجه الأرض خيلاء بما عنده من حطام الدنيا ومزخرفاتها الفانية . وكيف يتأتى لك الطغيان والاستكبار أيها المسترذَل المُهان المستحدث من المهين { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ } الذي أظهرك من كتم العدم ، وأحدثك من الأمشاج المرذولة { ٱلرُّجْعَىٰ } [ العلق : 8 ] أي : الرجوع المعهود في النشأة الأخرى ، فسيجزيك بجميع ما صدر عنك بعدما يحاسبك عليه بمقتضى العدالة والإنصاف .