Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 9-19)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ نص سبحانه على ذكر بعض الطاغين المستغنين ، المستكبرين بما عندهم من الجاه والثروة - وهو : أبو جهل اللعين - فقال : { أَرَأَيْتَ } أيها المعتبر الرائي الباغي الطاغي { ٱلَّذِي يَنْهَىٰ } [ العلق : 9 ] أي : يمنع ويكف { عَبْداً } كاملاً في العبودية ؛ يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم { إِذَا صَلَّىٰ } [ العلق : 10 ] وتوجه نحو ربه بجميع أجزائه وجوارحه ، وأراد أن يصرفه عنه . وذلك أن أبا جهل قال : لو رأيت محمداً ساجداً لأطأن عنقه ، فرآه ساجداً فجاءه ليطأه ، ثمَّ نكص واستدبر ، فقيل له : مالك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقاً مملوءاً من النار وهولاً ، وأجنحة . ثمَّ خاطب سبحانه هذا الطاغي الناهي خطاب تهديد وتقريع : { أَرَأَيْتَ } أي : أخبرني أيها المفسد المتناهي في البغي والعناد { إِن كَانَ } العبد المصلي { عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } [ العلق : 11 ] والرشاد . { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } [ العلق : 12 ] وبالاجتناب عن مقتضيات الهوى ، لتنهاه عن فعله هذا ، وأمره وإرشاده ألبتة . { أَرَأَيْتَ } أي : أخبرني أيضاً أنك نهيته عن الصلاة { إِن كَذَّبَ } على الله { وَتَوَلَّىٰ } [ العلق : 13 ] أي : أعرض عن مقتضيات أوامره ونواهيه . وبالجملة : نهيته عن الصلاة مطلقاً سواء { كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } [ العلق : 11 - 12 ] مجتنباً على الهوى ، أو مكذباً على المولى ، معرضاً عمَّا جرى عليهم من القضاء ؛ يعني : ليس سبب نهيك إلاَّ العصبية والعناد ، سواء كان محقاً في فعله أو مبطلاً . ثمَّ قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع لهذا المكابر الناهي : { أَلَمْ يَعْلَم } ذلك الناهي المباهي المبالغ في العتوّ والعناد { بِأَنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر على وجوه الإنعام والانتقام { يَرَىٰ } [ العلق : 14 ] يعلم ويبصر جميع ما صدر عنه من المجادلة والمراء ، فيجازيه على مقتضى علمه وخبرته . ثمَّ قال سبحانه : { كَلاَّ } ردعاً للناهي عمَّا عليه من المكابرة والعناد { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } الناهي ، المبالغ ، المباهي عمَّا هو فيه من المكابرة والعناد { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } [ العلق : 15 ] أي : لنأخذن بناصيته ولنسجننه مكباً على وجهه نحو النار المعدة لتعذيب الكفرة ، المبالغين في العتو والعناد . وأي : ناصية ؟ ! { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } [ العلق : 16 ] أي : كذب خاطئ ، وصف الناصية بهما ؛ للمبالغة والتأكيد . وبعدما نسحبه كذلك ، ونأخذه على ظلمه { فَلْيَدْعُ } وليناد حينئذٍ { نَادِيَهُ } [ العلق : 17 ] أهل مجلسه وأعوانه من قهرنا مع أنَّا أيضاً { سَنَدْعُ } ونأمر حتى ينصروا له وينقذه صارخاً عليهم ، مستغيثاً منهم يومئذ { ٱلزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 18 ] أي : الشرطة الموكلين على جهنم ؛ ليجروه نحو النار على وجه الهوان والصغار . ثمَّ كرر سبحانه { كَلاَّ } تأكيداً لردعه وتشديداً عليه ، ثمَّ نهى سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم عن إطاعة ذلك الباغي والإصغاء إلى قوله ، والمؤانسة معه والالتفات إليه بقوله : { لاَ تُطِعْهُ } أي : دُمْ يا أكمل الرسل على صلاتك وأثبت عليها ، ولا تلتفت إلى هذياناته الباطلة { وَٱسْجُدْ } لربك على وجه الخضوع والخشوع { وَٱقْتَرِب } [ العلق : 19 ] إليه وتقرَّب نحوه بإطراح لوازم ناسوتك ، محرماً على نفسك حظوظك من دنياك ، مسقطاً مقتضيات بشريتك ولواحق مادتك مطلقاً . وفي الحديث : " أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد " { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ * وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 98 - 99 ] . خاتمة السورة عليك أيها الطالب للتقرب نحو الحق والوصول إلى فضاء اللاهوت - أعانك الله في مطلبك هذا وطلبك - أن تداوم على الطاعات والعبادات على وجه الإخلاص والتذلل التام والانكسار المفرط ؛ إذ ما يتقرب العبد إلى ربه إلاَّ بالاستكانة والضراغة ، والإفناء على لوازم نشأة الناسوت ، والاتصاف بالموت الإرادي المورث للحياة الأبدية والبقاء السرمدي . جعلنا الله من المتصفين به بمنِّه وجوده .