Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 6-7)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ٱهْدِنَا } أي زدنا هداية وأدمنا عليها ، والهداية تطلق على الدلالة والتبيين وإن لم يحصل وصول نحو { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } [ فصلت : 17 ] أي بينا لهم ، وتطلق عليهما مع الوصول للخير وهو المراد هنا ، ومادة الهداية تتعدى لمفعولين : الأول بنفسها ، والثاني إما كذلك كما هنا ، وإما باللام أو إلى ، قال تعالى : { يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [ الإسراء : 9 ] { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] . قوله : { ٱلصِّرَاطَ } هو في الأصل الطريق الحسي ، والمراد به هنا دين الإسلام ، ففيه استعارة تصريحية أصلية ، حيث شبه دين الإسلام بالطريق الحسي ، بجامع أن كلاً موصل للمقصود ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، وأصل صراط بالصاد سراط بالسين ، وبها قرأ قنبل حيث ورد : إبدلت صاداً لأجل حرف الاستعلاء ، وقد تشم الصاد زاياً وبه قرأ خلف وكلها سبعي ، لكن لم ترسم في المصحف إلا بالصاد و { ٱلصِّرَاطَ } يذكر ويؤنث ، فالتذكير لغة تميم ، والتأنيث لغة الحجاز ، وجمعه صرط ككتاب وكتب . قوله : { ٱلْمُسْتَقِيمَ } اسم فاعل من استقام ، أي استوى من غير اعوجاج ، وأصله مستقوم أعل كإعلال { نَسْتَعِينُ } . قوله : ( ويبدل منه ) أي بدل كل من كل ، أتى به زيادة في مدح الصراط . قوله : { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } الإنعام إيصال الإحسان إلى الغير ، بشرط أن يكون ذلك الغير من العقلاء ، فلا يقال : أنعم فلان على فرسه ، ولا على حماره . قوله : ( بالهداية ) أشار بذلك إلى أن المراد بالمنعم عليها المؤمنون ، وهو أحد أقوال للمفسرين ، وقيل : هم المذكورون في قوله تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } [ النساء : 69 ] وقيل : هم الأنبياء خاصة ، وقيل : المراد بهم أصل فهدينا موسى وعيسى قبل التحريف والنسخ ، وحذف متعلق { أَنْعَمْتَ } ليؤذن بالعموم ، فيشمل كل نعمة ، ونعم الله تعالى لا تحصى باعتبار أفرادها ، قال تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] وأما باعتبار جملتها فتحصى لأنها قسمان : دنيوية وأخروية . والأول : إما وهبي أو كسبي ، والوهبي : إما روحاني كنفخ الروح والتزيين بالعقل والفهم والفكر والنطق ، أو جسماني كتخلق البدن والقوى الحالة فيه والصحة وكمال الأعضاء ، والكسبي كتزكية النفس وتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالأخلاق السنية والفضائل . والثاني : وهو الأخروي ، أنه يغفر ما فرط منه ، وينزله أعلى عليين مع الملائكة المقربين أبد الأبدين ودهر الداهرين . قوله : { عَلَيْهِم } لفظ { عَلَيْهِم } الأول في محل نصب على المفعولية ، والثاني في محل رفع نائب { ٱلْمَغْضُوبِ } وفيه عشر لغات ، ست مرويات عن القراء الثلاثة ، الأول منها سبعيات وهي : كسر الهاء وضمها مع إسكان الميم فيهما ، وكسر الهاء وضم الميم بواو بعد الضمة ، وكسر الهاء والميم بياء بعد الكسرة للإشباع ، وضم الهاء الميم بواو بعد الضمة وبدونها ، وأربع لم يقرأ بها وهي : ضم الهاء مع كسر الميم وأدخال ياء بعدها ، وضم الهاء وكسر الميم من غير ياء ، وكسر الهاء مع ضم الميم ، وكسر الهاء والميم من غير ياء . قوله : ( ويبدل من الذين بصلته ) أي بدل كل من كل ، ولا يضر إبدال النكرة من المعرفة ، وقيل : نعت لـ { ٱلَّذِينَ } . واستشكل بأنه يلزم نعت المعرفة بالنكرة وهو لا يصح ، لأن { غَيْرِ } متوغلة في الإبهام ، لا تتعرف بالإضافة كمثل وشبه وشبيه . وأجيب بجوابين ، الأول : أن { غَيْرِ } إنما تكون نكرة إذا لم تقع بين ضدين ، فأما إذا وقعت بين ضدين ، فتتعرف حينئذ بالإضافة تقول : عليك بالحركة غير السكون ، والآية من هذا القبيل والثاني : أن الموصول أشبه النكرات في الإبهام الذي فيه ، فعومل معاملة النكرات ، و { غَيْرِ } من الألفاظ الملازمة للإضافة لفظاً أو تقديراً ، فإدخال أل عليها خطأ ، وقد يستثنى بها حملاً على إلا ، كما يوصف بإلا حملاً عليها . قوله : { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ } بكسر الراء بدل كما قال المفسر ، أو نعت وتقدم ما فيه ، وهذه قراءة العامة ، وقرئ شذوذاً بالنصب على الحال أو الاستثناء ، والغضب ثوران دم القلب لإرادة الانتقام ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه " فإذ وصف به الله تعالى ، فالمراد به الانتقام أو إرادة الانتقام ، فهو صفة فعل أو صفة ذات ، وبنى الغضب للمجهول ، ولم يقل : غير الذين غضبت عليهم ، تعليماً لعباده الأدب ، حيث أسند الخير لنفسه ، وأبهم في الشر ، نظير قوله تعالى : { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } [ الكهف : 79 ] ، { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا } [ الكهف : 82 ] ، { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] . قوله : ( وهم اليهود ) أي لقوله تعالى فيهم { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [ المائدة : 60 ] الآية ، والحديث : " إن المغضوب عليهم هم اليهود ، وإن الضالين النصارى " . قوله : ( غير ) { ٱلضَّآلِّينَ } أشار بذلك إلى أن { لاَ } بمعنى غير فهي صفة ، ظهر إعرابها فيما بعدها ، ويؤيدها قراءة عمر بن الخطاب وإبي بن كعب ، و ( غير ) { ٱلضَّآلِّينَ } يدل { لاَ } وأتى بلا ثانياً ، لتأكيد معنى النفي المفهوم من { غَيْرِ } ولئلا يتوهم عطف { ٱلضَّآلِّينَ } على { غَيْرِ } فيكون من وصف { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } والضلال يطلق على الخفاء والغيبة ، ومنه قولهم : ضل الماء في اللبن ، والهلاك ومنه قوله تعالى : { أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } [ السجدة : 10 ] والنسيان ومنه قوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ } [ البقرة : 282 ] والعدول عن الطريق المستقيم وهو المراد هنا ، وفي { ٱلضَّآلِّينَ } مدان : مد لازم على الألف بعد الضاد وقبل اللام المشددة ، وعارض على الياء قبل النون للوقف . قوله : ( وهم النصارى ) أي لقوله تعالى : { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 77 ] . قوله : ( إفادة أن المهتدين ) أي المذكورين بقوله : { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } هو مصدوق { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } و ( غير ) { ٱلضَّآلِّينَ } فمصدوق العبارات الثلاث هم المؤمنون ، لكن استشكل بأن تفسير { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } بالفرق الأربعة المذكورة في سورة النساء ، لا يشتمل بقية المؤمنين ، وتفسير { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } و { ٱلضَّآلِّينَ } باليهود والنصارى ، لا يشتمل بقية طوائف الكفار ، فمقتضى ذلك ، أن بقية المؤمنين ليسوا ممن أنعم الله عليهم ، وسائر طوائف الكفار خارجون من وصف الغضب والضلال ، فالمبدل منه يخرجهم ، والبدل يدخلهم في المبدل منه ، والمخلص من هذا الإشكال ، أن يفسر المنعم عليهم بجميع المؤمنين ، كما درج عليه المفسر في قوله : { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ( الهداية ) ويراد من { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } و { ٱلضَّآلِّينَ } عموم الكفار اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . إن قلت : ما فائدة الاتيان بـ { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } الخ ، بعد قوله : { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } أجيب : بأن الإيمان إنما يكمل بالرجاء والخوف ، فقوله : { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } يوجب الرجاء الكامل ، وقوله : { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } الخ ، يوجب الخوف الكامل ، فيتقوى الإيمان بالرجاء والخوف . - فائدة - لفظ آمين ليس من الفاتحة ، بل ولا من القرآن قطعاً ؛ بل يسن الإتيان بها القارئ الفاتحة ، مفوصلة منها بسكتة ليتميز ما هو قرآن ، عما ليس بقرآن ، ولكل داع ، وهي اسم فعل على الصحيح بمعنى استجب ، مبني على الفتح ، ويجوز فيه مد الهمزة وقصرها ، وقيل : هي اسم من أسماء الله تعالى ، والتقدير : يا آمين . ورد بوجهين : الأول : أنه لو كان كذلك ، لكان ينبغي أن يبنى على الضم ، لأنه منادى مفرد معرفة . الثاني : أن أسماء الله تعالى توقيفية ، وهو من خصوصيات هذه الأمة ، لم يعط لأحد قبلهم ، إلا ما كان من موسى وهارون ، لما ورد في الحديث : " إن الله أعطى أمتي ثلاثاً لم تعط أحداً قبلهم ، السلام وهو تحية أهل الجنة ، وصفوف الملائكة ، وآمين ، إلا ما كان من موسى وهارون " ومعناه : أن موسى دعا على فرعون ، وأمن هارون ، فقال الله تعالى عندما ذكر دعاء موسى : قد أجيبت دعوتكما ، ولم يذكر مقالة هارون فسماه داعياً . وقال علي رضي الله عنه : آمين خاتم رب العالمين ، ختم بها دعاء عباده . وفي الخبر : " أن آمين كالطابع الذي يطبع به على الكتاب " . وفي حديث آخر : " آمين درجة في الجنة " . قال أبو بكر : إنه حرف يكتب به لقائله درجة في الجنة ، وقال وهب بن منبه : آمين أربعة أحرف ، يخلق الله من كل حرف ملكاً يقول : اللهم أغفر لكل من قال آمين . قوله : ( والله أعلم بالصواب ) الخ ، هذه العبارة من وضع تلامذة المحلي ، لما عرفت أنه قد شرع في تفسير النصف الأول فكمل الفاتحة ، وارتحل إلى رضوان الله تعالى ، فيبعد أن يأتي بعبارة تشعر الانتهاء ، والصواب ضد الخطأ و ( المرجع ) الرجوع ، و ( المآب ) مرادف ، وقوله : ( وحسبنا الله ) أي كافينا ، وقوله : ( ونعم الوكيل ) ، أي المفوض إليه الأمر .