Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } { إِيَّاكَ } مفعول مقدم لـ { نَعْبُدُ } قدم لإفادة الحصر والاختصاص ، و { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } معطوف علي { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين إلا بك ، لأنك الحقيق بتلك الصفات العظام ، والمعنى : يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة والاستعانة ، فهذا ترقٍّ من البرهان إلى العيان ، والغيبة إلى الحضور ، فهو تعليم من الله تعالى لعباده كيفية الترقي ، فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد ، وهو رب الأرباب ، عن قلب حاضر ، يجد ذلك العبد من نفسه محركاً للإقبال عليه ، وكلما أجرى على قلبه ولسانه صفة من تلك الصفات العظام ، قوي ذلك المحرك ، إلى أن يؤول ذلك الأمر لخاتمة تلك الصفات ، فحينئذ يوجب ذلك المحرك لتناهيه في القوة ، إقبال ذلك على العبد على ربه وخالقه المتصف بتلك الصفات ، فانتقل من الغيبة لخطابه والتلذذ بمناجاته ، فأول الكلام مبني على ما هو مبادي حال العارف من الذكر والفكر والتأمل في أسمائه العظام ، والنظر في آلائه والاستدلال يصنعه على عظيم شأنه وباهر سلطانه ، ثم بعد ذلك أتى بمنتهاه ، وهو الخطاب والحضور المشعر بكونه في حضرة الشهود ، وإلى هذا المعنى أشار بعض العارفين بقوله : @ تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار @@ وهو مقام الإحسان المشار له بقوله صلى الله عليه وسلم : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه " واعلم أن { إِيَّاكَ } واجب الانفصال ، واختلف فيه هل من قبيل الأسم الظاهر ؟ وبه قال الزجاج أو هو ضمير ؟ وعليه الجمهور ، واختلف القائلون بأنه ضمير على أربعة أقوال ، أحدها : أنه كله ضمير . الثاني أن إياه وحده ضمير وما بعده اسم مضاف إليه يفسر ما يراد به من تكلم وغيبة وخطاب . الثالث : أن إيا وحده ضمير ، وما بعده حروف تفسير ما يراد منه وهو المشهور . الرابع : إن إيا عماد ، وما بعده ضمير ، والضمير المستكن في { نَعْبُدُ } و { نَسْتَعِينُ } للقارئ ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة ، أو له والسائر الموحدين ، أدرج عبادته في عباداتهم ، وخلط حاجته بحاجاتهم ، لعل عبادته تقبل ببركة عباداتهم ، وحاجته يجاب إليها ببركة حاجاتهم ، ومن هنا شرعت الجماعة في الصلوات ، قال تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ } [ المائدة : 2 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " يد الله مع الجماعة " . قوله : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } كرر الضمير للدلالة على تخصيصه تعالى بكل من العبادة والاستعانة والتلذذ بالمناجاة والخطاب ، وقدم العبادة على الاستعانة لأنها وصلة لطلب الحاجة ، فإذا أفرد العبد ربه بالعبادة أعانه ، وحذف المعمول من كل ليؤذن بالعموم ، فيتناول كل معبود به ، وكل مستعان عليه ، وأصل { نَسْتَعِينُ } نستعون ، استثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى الساكن قبلها ، فسكنت الواو بعد النقل ، وانكسر ما قبلها فقبلت ياء ، والقراء السبعية بفتح النون ، وقرئ شذوذاً { نَسْتَعِينُ } بكسر حرف المضارعة ، وهي لغة مطردة في حرف المضارعة ، بشرط أن لا يكون ما بعد حرف المضارعة مضموماً ، فإن ضم كتقوم امتنع كسر حرف المضارعة ، لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم ، وبشرط أن يكون المضارع من ماض مكسور العين نحو علم ، أو في أوله همزة وصل نحو استعان ، أو تاء مطاوعة نحو تعلم . قوله : ( من توحيد ) الخ ، بيان للعبادة ، وهو إشارة إلى العبادات الأصلية الاعتقادية ، وقوله : ( وغيره ) إشارة إلى العبادات العملية ، من صلاة وصوم وزكاة ونحو ذلك . قوله : ( وبطلب المعونة ) بالياء عطف على ( بالعبادة ) ولا يجوز أن يكون بالنون عطفاً على ( نخصك ) لخروجه عن إفادة التخصيص . قوله : ( وغيرها ) أي من مهمات الدنيا والآخرة .