Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 60-64)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ } { وَمَا } اسم استفهام مبتدأ ، و { ظَنُّ } خبره ، و { يَوْمَ } ظرف متعلق بظن ، والمعنى أي شيء ظنهم بالله يوم القيامة . قوله : ( أيحسبون ) إلخ . قدر المفسر هذه الجملة ، إشارة إلى أن مفعولي الظن محذوفان فهذه الجملة سدت مسدّهما . قوله : ( لا ) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري أي لا ينبغي هذا الظن ، ولا يليق ولا ينفع ، وأما قوله في الحديث : " أنا عند ظن عبدي بي " فذلك في حق المؤمن ، فظن الخير بالله ينفع المؤمن ، وأما الكافر فلا ينفعه ذلك ما دام على كفره . قوله : { لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي الطائع منهم والعاصي ، وذلك في الدنيا ، فنعم الدنيا ليست تابعة للتقوى ، بل هي ثابتة بالقسمة الأزلية للمؤمن والكافر . قوله : ( بإمهالهم ) أي تأخير عذابهم . قوله : ( والإنعام عليهم ) أي بأنواع النعم ، كالعقل والسمع والبصر وغير ذلك . قوله : { لاَ يَشْكُرُونَ } أي لا يصرفون النعم في مصارفها ، وحينئذ فلا تنفعهم تلك النعم ، إلاّ إذا صحبها الإيمان والشكر ، فإن عدموا الإيمان صارت النعم نقماً ، وقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } يفيد أن القليل هو الشاكر وهو كذلك . قال تعالى : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] . قوله : { وَمَا تَتْلُواْ } الضمير إما عائد على الشأن أو على الله ، كما قال المفسر . فعلى الأول تكون من للتعليل ، وعلى الثاني تكون ابتدائية ، وقوله : { مِن قُرْآنٍ } من صلة ، والمعنى وما تتلو من أجل هذا الشأن قرآناً ، أو وما تتلوا قرآناً مبتدأ وصادر من الله . قوله : { إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } استثناء من أعم الأحوال ، والمعنى ما تتلبسون بشيء من هذه الثلاثة في حال من الأحوال ، إلا في حال كوننا رقباء مطلعين عليه حافظين له . إذا علمت ذلك ، فكان المناسب للمفسر أن يعيد الضمير في فيه لكل من الثلاثة ، وقد يجاب بأنه أعاده على الفعل لعمومه وشموله لباقي الثلاثة . قوله : { إِذْ تُفِيضُونَ } ظرف لقوله شهوداً . قوله : { وَمَا يَعْزُبُ } بضم الزاي وكسرها ، قراءتان سبعيتان . قوله : { عَن رَّبِّكَ } أي عن علمه . قوله : ( أصغر نملة ) وقيل هو الهباء ، وقيل أصغر بعوضة . قوله : { فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي في سائر الموجودات ، وعبر عنه في السماء والأرض لمشاهدة الخلق لهما . واعلم أن عالم الملك ما يشاهده الخلق ، كالأرض وما حوته ، وما ظهر من السماء ، وعالم الملكوت ما لا يشاهد ، كما فوق السماء من العرش والكرسي والملائكة وغير ذلك ، وعالم الجبروت هو عالم الأسرار ، وعالم العزة هو ما استأثر الله بعلمه ، كعلم ذاته وصفاته ومراداته . قوله : { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ } بالرفع والنصب ، قراءتان سبعيتان ، فالرفع إما على الابتداء والخبر ، أو على أن { وَلاَ } عاملة عمل ليس ، والخبر على كلا الإعرابين . قوله : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } . فتكون الجملة مستأنفة منقطعة عما قبلها ، والنصب على أنها عاملة عمل إن ، لأن أصغر وأكبر شبيهان بالمضاف ، تعلق بهما شيء من تمام معناهما ، وهو العمل في الجار والمجرور ، وهاتان القراءاتان هنا فقط ، وأما في سبأ فبالرفع باتفاق السبعة . قوله : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } الاستثناء منقطع ، والمعنى لكن جميع الأشياء في كتاب مبين ، فهو استدراج على ما يتوهم نفيه لأن قوله لا يعزب عن ربك الخ . ربما يتوهم منه أنه لم يحط بها غير علم الله ، فدفع ذلك بقوله : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي لكن جميع الأشياء مثبتة في كتاب مبين أيضاً ، ولا يصح أن يكون متصلاً ، لأنه يصير المعنى لا يغيب عن علمه عن علم الله وذلك باطل ، وهذا الإشكال لا يرد إلا على جعل قوله ولا أصغر ولا أكبر ، معطوفاً على مثقال ، وأما إن جعل مستأنفاً كما تقرر ، فلا يرد الإشكال فتأمل . قوله : { أَلاۤ } أداة تنبيه ، يؤتى بها ليتنبه السامع لما بعدها ، ويعتني بها لعظمه . قوله : { أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ } جمع ولي من الولاء ، وهو العز والنصر ، سموا بذلك لأنهم هم المنصورون بالله المعزوزون به ، لا يطمعون في شيء سوى القرب منه ، وولي فعيل ، إما بمعنى فاعل ، أي متولي خدمة ربه بكل ما أمكنه ، بروحه وجسمه ودنياه ، أو بمعنى مفعول ، أي تولى الله إكرامه وعطاياه ونفحاته ، فلم يكله لشيء سواه ، فحيث تولى الخدمة ، تولاه الله بالنعمة والنفحة ، وهو سر قوله في الحديث : " يا دنيا من خدمني فاخدميه " فحينئذ صار معنى الولي المنهمك في طاعة ربه ، الذي أفيضت عليه الأنوار والأسرار ؛ لما ورد " من تقرب مني شبراً ، تقربت منه ذراعاً ، ومن تقرب مني ذراعاً ، تقربت منه باعاً ، ومن أتاني يمشي ، أتيته هرولة " وعلامة الولي كما في الحديث : " سئل رسول الله عن علامة الأولياء فقال : هم الذين ادارؤوا ذكر الله تعالى " وسبب ذلك ظهور أنوار المعرفة الكائنة في قلوبهم على ظواهرهم وذلك سر قوله تعالى : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } [ الفتح : 29 ] وقال أبو بكر الأصم : أولياء الله هم الذين تولى الله هدايتهم ، وتولوا القيام بحق العبودية لله تعالى والدعوة إليه ، والولي من الولاء ، وهو القرب والنصرة فولي الله هو الذي يتقرب إلى الله بكل ما افترض الله عليه ، ويكون مشتغلاً بالله ، مستغرق القلب في نور معرفة جلال الله تعالى ، فإن رأى ، رأى دلائل قدرة الله ، وإن سمع ، سمع آيات الله ، وإن نطق ، نطق بالثناء على الله ، وإن تحرك ، تحرك في طاعة الله ، وإن اجتهد اجتهد فيما يقربه إلى الله ، لا يفتر عن ذكر الله ، ولا يرى بقلبه غير الله ، فهذه صفات أولياء الله ، وإذ كان العبد كذلك ، كان الله وليه وناصره ومعينه ، قال تعالى : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] . وروي عن ابن مالك الأشعري قال : " كنت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن لله عباداً ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء ، بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة ، قال : وفي ناحية القوم أعرابي ، فجثا على ركبته ورمى بيديه ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم ، من هم ؟ قال : فرأيت في وجه رسول الله البشرى ، فقال : هم عباد من عباد الله ، ومن بلدان شتى ، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ، ولا دنيا يتباذلون بها ، يتحابون بروح الله ، يجعل الله وجوهه نوراً ، وجعل له منابر من لؤلؤة قدام الرحمن ، يفزع الناس ولا يفزعون ، ويخاف الناس ولا يخافون " وروي عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله أناساً ، ما هم بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله ، قالوا : يا رسول الله تخبرنا بأمرهم ؟ قال : هم قوم تحابوا بروح الله ، على غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ، وقرأ هذه الآية { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : ( إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهكم ) " . قوله : { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } لحفظ الله لهم في الدنيا من الأسباب التي توجب الخوف والحزن في الآخرة . قوله : ( في الآخرة ) أي لما في الحديث : " لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس " قوله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قدر المفسر ( هم ) إشارة إلى أن الاسم الموصول خبر لمبتدأ محذوف ، وهذه الجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر تقديره ما صفات أولياء الله ؟ فأجاب : بأنهم الذين اتصفوا بالإيمان والتقوى ، والمعنى أن أولياء الله هم الذين اتصفوا بالإيمان ، وهو الاعتقاد الصحيح المبني على الدلائل القطعية والتقوى ، وهي امتثال المأمورات واجتناب المنهيات على طبق الشرع ، ولذا قال القشيري : شرط الولي أن يكون محفوظاً ، كما أن من شرط النبي أن يكون معصوماً ، فكل من كان للشرع عليه اعتراض ، فهو مغرور مخادع ، وقال الإمام الشافعي وأبو حنيفة : إذا لم تكن العلماء أولياء الله ، فليس لله ولي ، وذلك في العالم العامل بعلمه . قوله : ( فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة ) إلخ . أي لأنه لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات ، وهي الرؤيا الصالحة . وفي الحديث : " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة " وقيل : المراد بالبشرى في الحياة الدنيا ، نزول الملائكة بالبشارة من عند الله عند الموت ، ويدل عليه قوله تعالى : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ] وقيل : البشرى في الحياة الدنيا الثناء الحسن ، ومحبة الخلق لهم ، " لما ورد عن أبي ذر : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ، ويحمده الناس عليه ، قال : " عاجل بشرى المؤمن " وورد أيضاً " إذا أحب الله عبداً نادى جبريل فيقول له : إني أحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض " قال بعض المحققين : إذا اشتغل العبد بالله عز وجل استنار قلبه وامتلأ نوراً فيفيض من ذلك النور الذي في قلبه على وجهه ، فيظهر عليه آثار الخشوع والخضوع ، فيحبه الناس ويثنون عليه ، فتلك عاجل بشراه ، بمحبة الله له ورضوانه عليه ، وقيل : البشرى في الحياة الدنيا ظهور الكرامات وقضاء الحوائج بسهولة ، فكلما توجه العبد المحبوب لشيء من أموره قضى عاجلاً ، والأحسن أن يراد بالبشرى في الدنيا جميع ما تقدم وأعظمها التوفيق لخدمة الله ، وراحة الجسد في طاعة الله ، وانشراح الصدر لذلك ، وأما البشرى في الآخرة فالجنة وما فيها من النعيم الدائم ، قال تعالى : { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ الحديد : 12 ] . قوله : ( لا خلف لمواعيده ) أي التي وعد الله بها أولياءه وأهل طاعته ، في كتابه وعلى ألسنة رسله ، والمعنى لا تغيير لذلك الوعد . قوله : { ذٰلِكَ } أي الوعد المتقدم من كونهم { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } و { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } وكون هذا الوعد لا يتغير ولا يتبدل . قوله : { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي الظفر بالمقصود الكامل الذي لا يضاهى .