Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 98-99)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَلَوْلاَ } أشار بقوله : ( هلا ) إلى أنها تحضيضية ، وهو للتوبيخ مع النفي ، وكان فعل ماض تام ، و { قَرْيَةٌ } فاعلها ، و { آمَنَتْ } صفة قرية ، وقوله : { فَنَفَعَهَآ } معطوف على { آمَنَتْ } عطف مسبب على سبب ، والمعنى لم تكن قرية من تلك القرى التي تقدمت قوم يونس كقوم نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وموسى آمنت ، فيتسبب على إيمانها كونه نافعاً لها ، والحاصل : أن الآية تضمنت تحضيضاً وتوبيخاً ونفياً ، فالنفي راجع لمن مضى ، والتوبيخ والتحضيض راجعان لمن يسمع . قوله : ( أريد أهلها ) أشار بذلك إلى أن في الكلمة مجازاً مرسلاً من باب تسمية الحال باسم المحل ، لا مجازاً بالحذف . قوله : { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } أشار المفسر إلى أن الاستثناء منقطع ، حيث عبر بلكن ، وضابط الاستدراك موجود ، وهو رفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه ، فأتى به هنا لدفع توهم أنهم كغيرهم لم يؤمنوا حتى نزل بهم العذاب ، فرفع ذلك التوهم ، بأن قوم يونس آمنوا قبل نزول العذاب ، بل عند حضور أماراته ، ولذلك نفعهم إيمانهم ، وأما غيرهم ، فلم يؤمن قبل نزوله ، أعم من أن يكون آمن وقت نزوله ، أو لم يؤمن أصلاً . قوله : ( ولم يؤخروا إلى حلوله ) أي بل عجلوا الإيمان عند ظهور أماراته وحاصل قصتهم ، على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم ، قالوا : إن قوم يونس كانوا بقرية تسمى نينوى من أرض الموصل ، وكانوا أهل كفر وشرك ، فأرسل الله عز وجل إليهم يونس عليه السلام ، يدعوهم إلى الإيمان بالله ، وترك عبادة الأصنام ، فدعاهم فأبوا عليه ، فقيل له أخبرهم أن العذاب يصحبهم إلى ثلاث ، فأخبرهم بذلك ، فقالوا : إنا لم نجرب عليه كذاباً قط ، فانظروا ، فإن بات فيكم فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم ؛ فلما كان جوف الليل ، خرج يونس من بين أظهرهم ، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب ، فكان فوق رؤوسهم . قال ابن عباس : إن العذاب كان أهبط على قوم يونس ، حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل ، فلما دعوا كشفه الله عنهم ، وقال قتادة : قدر ميل ، وقال سعيد بن جبير : غشى قوم يونس العذاب ، كما يغشى الثوب الغبر ، وقال وهب : غامت السماء غيماً أسود هائلاً ، يدخن دخاناً شديداً ، فهبط حتى غشى مدينتهم واسودت أسطحتهم ، فلما رأوا العذاب أيقنوا بالهلاك ، فطلبوا نبيهم يونس فلم يجدوه ، فقذف الله في قلوبهم التوبة ، فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، ولبسوا المسوح ، وأظهروا الإيمان والتوبة ، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدواب ، فحن البعض للبعض ، فحنت الأولاد إلى الأمهات ، والأمهات إلى الأولاد ، وعلت الأصوات ، ولجؤوا جميعاً إلى الله تعالى ، وتضرعوا إليه وقالوا آمنا بما جاء به يونس ، وتابوا إلى الله وأخلصوا النية ، فرحمهم ربهم واستجاب دعاءهم وكشف ما نزل بهم من العذاب بدما أظلهم ، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء ، وكان يوم الجمعة ، قال ابن مسعود : بلغ من توبتهم ، أنهم ردوا المظالم فيما بينهم ، حتى انه كان الرجل يأتي إلى الحجر ، وقد وضع عليع أساس بنائه فيقلعه فيرده ، وروى الطبراني بسنده قال : لما غشي قوم يوس العذاب ، مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له : إنه قد نزل بنا العذاب فما ترى ؟ قال : قولوا يا حي حين لا حي ، ويا حي يحيي الموتى ، ويا حي لا إله إلا أنت . فقالوها فكشف الله عنهم العذاب ، ومتعوا إلى حين ، وقال الفضيل بن عياض : إنهم قالوا : اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت ، وأنت أعظم وأجل ، فافعل بنا ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله ، فلما خرج يونس جعل ينتظر العذاب ، فلم ير شيئاً ، فقيل له : ارجع إلى قومك ، قال : وكيف أرجع إليهم فيجدوني كذاباً ؟ وكان كل من كذب ولا بينة له قتل ، فانصرف عنهم مغاضباً فنزل في سفينة فلما بلغت وسط البحر وقفت ، وكان من عادتهم أن السفينة لا تقف إلا إذا كان فيها عبد أبق ، فضربوا القرعة فخرجت على يونس ، فألقوه في البحر فالتقمه الحوت ، فنادى في الظلمات : أن لا إله إلا أنت سبحانك ، إن كنت من الظالمين ، فاستجاب الله نداءه ، وأخرجه من بطن الحوت ضعيفاً فأنبت الله شجر القرع ، ورجع إلى قومه وكانوا يزيدون عن مائة الف ، ففرحوا به وأحبوه وآمنوا به ، فهنيئاً لمن رجع إلى مولاه ، وندم على ما جناه فإن الله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات . قوله : ( انقضاء آجالهم ) تفسير للحين ، ودفع بذلك ما قيل : إن قوم يونس من المنظرين لا يموتون إلا عند النفخة الأولى ، فأجاب المفسر : بأن معنى الحين انقضاء آجالهم . قوله : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ } مفعول شاء محذوف ، أي إيمان جميع الناس . قوله : { كُلُّهُمْ } توكيد لمن ، و { جَمِيعاً } حال منها ، والمعنى لو أراد الله إيمان من في الأرض لآمنوا كلهم ، حال كونهم مجتمعين . قوله : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ } الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف والتقدير أتحزن على عدم إيمانهم وتتأسف عليه ، أفأنت تكره إلخ . قوله : ( لا ) أي لست بمكره للناس على الإيمان ، والمعنى ليس عليك إلا البلاغ ، لا خلق الإيمان في قلوبهم وإكراههم عليه ، فإن الأمر لله لا خالق سواه .