Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 56-57)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } أي مكناه إياها . قوله : ( بعد الضيق والحبس ) أي بعد صبره على الضيق حين وضع في الجب وحين حبس . قوله : ( وفي القصة أن الملك ) إلخ ، قال ابن عباس وغيره : لما انقضت السنة من يوم سؤال الإمارة ، دعاه الملك فتوجَّه وقلده بسيفه وحلاه بخاتمه ، وضع له سريراً من ذهب مكللاً بالدر والياقوت ، طوله ثلاثون ذراعاً ، وعرضه عشرة أذرع ، ووضع له ثلاثين فرساً وستين مأدبة ، وضرب له عليه حلة من استبرق ، وأمره أن يخرج ، فخرج متوجاً ، لونه كالثلج ووجه كالقمر ، يرى الناظر وجهه فيه من صفاء لونه ، فانطلق حتى جلس على ذلك السرير ، ودانت ليوسف الملوك ، وفوض الملك الأكبر إليه ملكه ، وعزل قطفير عما كان عليه ، وجعل يوسف مكانه ، قال الزمخشري : إن يوسف قال للملك : أما السرير فأشد به ملكك ، وأما الخاتم فأدبر به أمرك ، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي ، فقال له الملك : قد وضعته إجلالاً لك وإقراراً بفضلك ، وكان لملك مصر خزائن كثيرة ، فسلمها ليوسف وسلم له سلطانه كله ، وجلع أمره وقضاءه نافذاً حتى بمملكته ، ثم هلك قطفير عزيز مصر في تلك الليالي ، فزوج الملك ليوسف امرأة العزيز بعد هلاكه ، فلما دخل يوسف عليها قال : أليس هذا خيراً مما كنت تريدين ؟ قالت له : أيها الصديق لا تلمني ، فإني كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنت كما جعلك الله في حسنك فغلبتني نفسي وعصمك الله ، قالوا : فوجدها يوسف عذراء فأصابها ، فولدت له ولدين ذكرين أفراثيم وميشا ، وبنتاً واسمها رحمة زوجة أيوب عليه السلام ، وميشا هو جد يوشع بن نون ، وأقام في مصر العدل ، وأحبه الرجال والنساء ، فلما اطمأن يوسف في ملكه ، دبر في جمع الطعام أحسن التدبير ، فبنى الحصون والبيوت الكثيرة ، وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة ، وأنفق المال بالمعروف ، حتى خلت السنون المخصبة ، ودخلت السنون المجدبة بهول وشدة ، لم ير الناس مثله ، وقيل : إنه دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم أكلة واحدة نصف النهار ، فلما دخلت سنة القحط ، كان أول من اصابه الجوع الملك ، فجاع نصف الليل ، فنادى يا يوسف الجوع الجوع ، فقال يوسف : هذا أوان القحط ، فهلك في السنة الأولى من سني القحط ، كلما أعدوه في السنين المخصبة ، فجعل أهل مصره يبتاعون الطعام من يوسف ، فباعهم في السنة الأولى بالنقود ، حتى لم يبق بمصر درهم ولا دينار إلا أخذه منهم ، وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر ، حتى لم يبق بمصر في أيدي الناس منهما شيء ، وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي والأنعام ، حتى لم يبق دابة ولا ماشية إلا احتوى عليها ، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والجواري ، حتى لم يبق بأيدي الناس عبد ولا أمة ، وباعهم في السنة الخامسة بالضياع والعقار ، حتى أتى عليها كلها ، وباعهم في السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم ، وباعهم في السنة السابعة برقابهم ، حتى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا ملكه ، فصاروا جميعاً عبيداً ليوسف عليه السلام ، فقال أهل مصر : ما رأينا كاليوم ملكاً أجل ولا أعظم من يوسف ، فقال يوسف للملك : كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني ، فما ترى في هؤلاء ؟ قال الملك : الرأي رأيك ونحن لك تبع ، قال : فإني أشهد الله وأشهدك ، أني قد أعتقتهم عن آخرهم ، ورددت عليهم أملاكهم ، ولم يزل يوسف يدعو الملك إلى الإسلام ويتلطف به ، حتى أسلم هو وكثير من الناس ، ومات في حياة يوسف ، وأما العزيز فلم يثبت إسلامه . قوله : ( ومات بعد ) أي مات العزيز بعد عزله . قوله : ( فزوجه امرأته ) أي بعد أن ذهب مالها ، وعمي بصرها من بكاءها على يوسف ، فصارت تتكفف الناس ، وكان يوسف يركب في كل أسبوع في موكب زهاء مائة الف من عظماء قومه ، فقيل لها : لو تعرضت له لعله يسعفك بشيء ، فلما ركب في موكبه ، قامت فنادت بأعلى صوتها : سبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيتهم ، وجعل العبيد ملوكاً بطاعتهم ، فقال يوسف : ما هذه ؟ فقدمت إليه فعرفها ، فرق لها وبكى بكاءً شديداً ثم دعاها للزواج ، وأمر بها ، فهيئت ثم زفت إليه ، فقام يوسف يصلي ويدعو الله وقامت وراءه ، فسأل الله تعالى أن يعيد لها شبابها وجمالها وبصرها ، فرد الله عليها ذلك ، حتى عادت أحسن ما كانت يوم راودته ، إكراماً له عليه السلام لما عف عن محارم الله ، فأصابها فإذا هي عذراء فعاشا في أرغد عيش . روي أن الله ألقى في قلب يوسف محبتها أضعاف ما كان في قلبها ، فقال لها : ما شأنك لا تحبيني كما كنت أول مرة ؟ فقالت : لما ذقت محبة الله ، شغلني ذلك عن كل شيء . قوله : ( ولدين ) أي وبنتاً . قوله : ( ودانت له الرقاب ) أي خضعت له الناس . قوله : { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ } أي نخص بنعمتنا من أردنا . قوله : { وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي بل نضاعفه لهم . قوله : { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } اللام موطئة لقسم محذوف . قوله : { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } أي اتصفوا بالإيمان ، قوله : { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } أي يمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي . قوله : ( ودخلت سنو القحط ) إلخ ، قدر ذلك إشارة إلى أن قوله : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ } مرتب على محذوف ، أي سبب مجيئهم ، أنه لما فرغت سنو الخصب ، وأتت سنو القحط والجدب ، واحتاجت الناس للطعام ، فبلغ يعقوب أن بمصر ملكاً يبيع الطعام للمحتاجين ، فبعثهم ليبتاعوا منه .