Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 35-37)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ } { إِذْ } ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله ( اذكر ) وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي اذكر لهم قصة إبراهيم ، ودعواته لساكني البيت الحرام ولبنيه ، لعلهم يعتبرون ، فينزجروا عما هم عليه ، فإن لم يعتبروا ، فقد تعرضوا لما يحل بهم . قوله : { هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ } قال الأشياخ : حكمة تعريف البلد هنا ، وتنكيرها في البقرة ، أن إبراهيم تكرر منه الدعاء ، فما في البقرة كان قبل بنائها ، فطلب من الله أن تجعل بلداً ، وأن تكون آمناً ، وما هنا بعد بنائها ، فطلب من الله أن تكون آمنا . قوله : ( لا يسفك فيه دم إنسان ) أي لا يتمكن منه جبار ، بقصد إهانة البيت وأهله ، وما وقع من الحجاج ، في مقاتلته لابن الزبير ، وهدمه للبيت ، إنما كان بقصد التعظيم للبيت ، بسبب دعواه أن ابن الزبير كان مخطئاً في بنائه البيت على قواعد إبراهيم ، وقوله : ( لا يسفك فيه دم إنسان ) أي ولو قصاصاً ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وإنما يضيق عليه ليخرج ، فإذا خرج اقتص منه . قوله : ( ولا يظلم فيه أحد ) أي ومن تجرأ وظلم فيه ، فقد تعرض لعذاب الله ، قال تعالى : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الحج : 25 ] . قوله : ( ولا يصاد صيده ) أي يحرم صيد البر في الحرم ، على كل شخص محرماً أو غيره . قوله : ( ولا يختلي خلاه ) أي لا يقطع حشيشه النابت بنفسه ، واستثنى العلماء من ذلك الاذخر والسنا والسواك والعصا وقطع الشجر للبناء محله ، لأنه ينبغي توسعته . إن قلت : إن قوله : { ءَامِناً } يعارضه ما روي : أن ذا السويقتين يخرب البيت ، ويخيف أهله في آخر الزمان . أجيب : بأن معنى الأمن الطمأنينة ، ظاهراً وباطناً ، من سطوات الخالق والمخلوق ، للحيوان العاقل ، وغيره غالباً ، فلا ينافي حدوث النوادر من بعض الجبابرة . وأجيب أيضاً : بأن المراد الأمن من الخراب إلى قرب الساعة ، فإن ذا السويقتين ، يخرب الكعبة قرب الساعة ، بعد موت عيسى عليه السلام . فائدة : قول ابراهيم { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ } الخ ، يقتضي أن دأبه الدعاء ، وما ورد من قوله حين ألقي في النار : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، يقتضي أنه لم يكن دأبه الدعاء ، فما السر في ذلك ؟ أجيب : بأنه كان في زمن إلقائه في النار ، في مقام الفناء والسكر ، وهو الغيبة عن شهود الخلق بشهود الحق ، فلا يشهد أثراً ، وفي زمن دعائه في مقام البقاء وجمع الجمع ، وهو البقاء بالله بمعنى شهود الآثار بعد شهود مؤثرها ، فمقامه في حال دعائه ، أعلى وأجل من مقامه في حال تركه له ، ولا يقاس بمقامات الأنبياء مقام ، بل بدايتهم أعلى وأجل من نهاية غيرهم ، فالأولياء وإن عظموا ، لا يصلون لأدنى رتب الأنبياء ، وأما قول أبي الحسن الشاذلي : واقرب مني بقدرتك قرباً تمحق به عني كل حجاب محقته عن إبراهيم خليلك الخ ، فمعناه قرباً يليق بي ، لا كقرب الخليل ، فقد طلب من الله أن يذيقه قطرة من بحار تجلياته التي تجلى بها على الخليل حتى أسكره ، فلم يشهد شيئاً سواه . قوله : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ } المراد أولاده وأولاد أولاده ، كإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط . إن قلت : إن الأنبياء معصومون من الشرك ، ففي دعائه تحصيل الحاصل . والجواب الأتم : أن دعاءه تشريع وتعليم وتذلل وتواضع ، مع كونه يعلم عصمة نفسه ، ويقال مثل هذا في دعوات باقي الأنبياء بالنجاة ، مما هم معصومون منه ، كعذاب النار ، وغضب الجبار ، ونحو ذلك . قوله : { رَّبَّنَآ } كرر النداء تأكيداً . قوله : ( بعبادتهم لها ) أشار بذلك إلى أن نسبة الإضلال للأصنام مجاز ، لأنها سبب في الضلال بسبب عبادتها . قوله : { فَإِنَّهُ مِنِّي } أي منسوب لي وملحق بي . قوله : ( هذا قبل علمه ) الخ . جواب عما يقال : إن الله لا يغفر الشرك ، فكيف يقول { فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ؟ وأجيب أيضاً : بأن قوله : { وَمَنْ عَصَانِي } أي بغير الكفر ، وبأن طلب الغفران لذريته الكفار إن ماتوا على الإسلام . قوله : ( وهو إسماعيل مع أمه هاجر ) وسبب ذلك الاسكان ، أن هاجر كانت جارية لسارة ، فوهبتها لإبراهيم ، فولدت منه إسماعيل ، فغارت سارة منها ، لأنها لم تكن قد ولدت قط ، فأنشدته بالله أن يخرجهما من عندها ، فأمره الله تعالى بالوحي أن ينقلها إلى أرض مكة ، وأتى له بالبراق ، فركب عليه هو وهاجر والطفل ، فأتى من الشام ووضعهما في مكة عند البيت مكان زمزم ، وليس بمكة أحد ، ولا بناء ولا ماء ، ثم قام إبراهيم منطلقاً ، فتبعته هاجر وقالت : أين تذهب وتتركني بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء ؟ فلم يلتفت ، فقالت : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذا لا يضيعني ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال : { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ } الخ . قوله : { بِوَادٍ } أي في واد ، والوادي هو المنخفض بين الجبلين . قوله : { غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } أي لا يصلح للزرع به ، لكونه أرضاً حجرية لا تنبت شيئاً . قوله : ( الذي كان قبل الطوفان ) أشار بذلك ، إلى أن تسميته بيتاً محرماً ، فيه مجاز باعتبار ما كان ، ويصح أن يكون مجازاً ، باعتبار ما يؤول إليه الأمر ، لأن الله أوحى إليه وأعلمه ، أن هناك بيتاً حراماً ، وأنه سيعمره . قوله : { رَبَّنَا } كرر النداء ، لأن الدعاء ينبغي فيه الأطناب وكثر الابتهال . قوله : { لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } اللام لام متعلقة بأسكنت ، والمعنى أسكنتهم بهذا الوادي الخالي من كل مرتفق ، ليشتغلوا بأشراف العبادات في أشرف الأماكن ، والمراد من الدعاء بإقامة الصلاة ، توفيقهم لأدائها على الوجه الأكمل . قوله : { تَهْوِىۤ } القراء السبعة على كسر الواو ، أي تسرع وتطير شوقاً إليهم ، وقرىء شذوذاً بفتح الواو ، وخرجت على زيادة إلى ، أي تهواهم ، وخص الأفئدة بالذكر ، لأن القلوب سلاطين الأعضاء ، فإذا حنت إليهم القلوب ، سعت لهم الأجساد قهراً . قوله : ( تميل وتحن ) أشار بذلك إلى أنه ضمن تهوي معنى تميل ، فعداه بإلى ، وإلا فهو يتعدى باللام ، وفي هذا دعاء للمؤمنين ، بأن يرزقهم الله حج البيت ، ودعاء لسكان مكة من ذريتهم بميل الناس إليهم ، ليرتفقوا وينتفعوا بهم ، فقد جمع في هذا الدعاء ، بين أمر الدين والدنيا للناس ولذريته . قوله : ( لو قال أفئدة الناس ) الخ ، أي ولكنه لم يقل ذلك ، فلم يحصل لسابقة علم الله تعالى ، أنه لا يحن إليهم جميع الناس لوجود الكفار منهم ، فإبراهيم دعا بما سيحصل في الخارج ، المطابق لما علمه الله . قوله : { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } أي يصرفون النعم في مصارفها . قوله : ( وقد فعل بنقل الطائف إليه ) أي وهو قطعة من أرض الشام ، من مكان يقال له حوران ، بدلت بقطعة من الحجاز ، فصارت العيون والأشجار بالطائف ، والحجارة والحصا والقفر بأرض حوران ، يشاهده كل من رآه ، وهو إجابة قوله : { وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ } ، وأما قوله : { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ } الخ ، فقد حصل مبدأ إجابته بجرهم ، وذلك أن إبراهيم لما وضع إسماعيل وأمه ، تركهما ومعهما جراب من تمر وسقاء من ماء ، فلما نفد الماء ، عطشت هي وولدها ، فصعدت على الصفا لتنظر هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً ، فهبطت ثم أتت المروة ، فقامت عليها فنظرت ، هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً ، ففعلت ذلك سبع مرات ، ولذلك شرع السعي بينهما سبعاً فعند ذلك جاء جبريل ، وضرب زمزم بجناحه فخرج الماء فجعلت تحوط عليه وتقول زمي زمي ، وفي الحديث " يرحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً " فجعلت تشرب منه ، فمكثوا كذلك ، حتى مرت بهم قبيلة من جرهم ، كانوا ذاهبين إلى الشام ، فعطشوا فرأوا الماء عندها فقالوا لها : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ فقالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء ، فقالوا لها : أشركينا في مائك ، نشركك في ألباننا ، ففعلت ، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم ، فلما شب إسماعيل ، تعلم منهم العربية وكان أنفسهم ، فزوجوه بامرأة منهم ، وماتت أمه وما تزوج .