Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 106-110)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ } نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر ، وذلك أنه من جملة السبعة السابقين للإِسلام وهم : عمار وأبوه ياسر وأمه سمية وصهيب وبلال وخباب وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم ، وذلك أن الكفار ، أخذوهم وعذبوهم ليرجعوا عن الإيمان ، فأما سمية أم عمار ، فربطوها بين بعيرين ، وضربها أبو جهل بحربة في فرجها فماتت ، وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين في الإِسلام ، وأما عمار فإنه أعطاهم بعض ما أرادوا بلسانه ، وقلبه كاره لذلك ، " فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عماراً كفر ، كلا إن عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، فأتى عمار وهو يبكي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما وراءك ؟ فقال : شر يا رسول الله ، نلت منك وذكرت ، فقال : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان ، فجعل النبي يمسح عينيه وقال له : إن عادوا لك فقل لهم ما قلت " وأما بلال فكانوا يعذبونه وهو يقول : أحد أحد ، حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه ، وأما خباب فقد أوقدوا له ناراً ، فلم يطفئها إلا ودك ظهره ، وأما أبو بكر فحفظه الله بقومه وعشيرته . وفيما فعله عمار ، دليل على جواز التلفظ بالكفر عند خوف القتل ، ولكن القتل أجمل ، كما وقع من أبويه ، ولما روي " أن مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله ، قال : ما تقول فيّ ، قال : أنت أيضاً فخلاه . وقال للآخر : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله ، قال : ما تقول فيّ ؟ قال : أنا أصم ، فأعاد عليه ثلاثاً ، فأعاد جوابه فقتله ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما الأول فقد أخذ برخصة الله ، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له " قوله : ( على التلفظ بالكفر ) أي أو فعله . قوله : ( والخبر أو الجواب ) الخ ، الأولى تقدير هذا قبل الاستثناء . قوله : ( لهم وعيد ) الأولى أن يقدره بالفاء ، لأن الجواب إذا وقع جملة اسمية يقرن بالفاء ، والمبتدأ الذي يشبه الشرط ، يقرن خبره بالفاء أيضاً لشبهة بالشرط . قوله : ( دل على هذا ) أي على الجواب أو الخبر . قوله : { وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ } أتى بالاستدراك ، لأنه ربما يتوهم من قوله إلا من أكره ، أنه حين الإكراه يجوز التكلم بالكفر ، ولو انشرح صدره له في بعض الأحيان ، فدفع التوهم بالاستدراك . ولا يبعد الوهم قوله : { مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } ، و { مَنْ } إما شرطية أو موصولة ، ويلزم تقدير مبتدأ قبل { مَنْ } ، وما قيل إن الاستدراك لا يقع في الشروط ممنوع . قوله : ( بمعنى طابت به نفسه ) أي قبله وما إليه . قوله : { فَعَلَيْهِمْ } جمع مراعاة لمعنى { مِّنَ } . قوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ } أي حاصل وثابت بسبب أنهم الخ ، فاسم الإشارة مبتدأ ، والجار والمجرور في محل رفع خبره . قوله : { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } أي لا يوصلهم إلى الإيمان ، ولا يعصمهم من الزيغ . قوله : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } الخ ، أي جعل عليها غلافاً معنوياً ، بحيث لا تذعن للحق ، ولا تسمعه ولا تبصره . قوله : { ٱلْخَاسِرونَ } أي لأنهم ضيعوا أعمارهم في غير منفعة تعود عليهم ، والموجب لخسرانهم ، أن الله تعالى وصفهم بست صفات تقدمت : الغضب ، والعذاب العظيم ، واختيار الدنيا على الآخرة ، وحرمانهم من الهدى ، والطبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، وجعلهم من الغافلين . قوله : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ } نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة ، وكان أخا أبي جهل من الرضاعة ، وقيل من أمه ، وفي أبي جندل بن سهل بن عمرو ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعبدالله بن أسد الثقفي ، فتنهم المشركون وعذبوهم ، فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ، ثم هاجروا وجاهدوا . قوله : { لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ } متعلق بمحذوف هو خبر إن ، أي لغفور رحيم للذين هاجروا ، وهذا معنى قوله الآتي ، وخبر { إِنَّ } الأولى الخ ، قوله : ( وفي قراءة ) أي وهي سبعية أيضاً ، وعليها فيحتمل أن الفعل لازم ، فيكون معنى قوله : { فُتِنُواْ } ، افتتنوا بمعنى قامت بهم الفتنة ، وقد أشار له المفسر بقوله : ( أي كفروا ) أو متعد كما قال : ( أو فتنوا الناس عن الإيمان ) .